مجموعة مميزة من قصص الشيخ صباح محمد حيدر العدواني
صفحة 1 من اصل 1
مجموعة مميزة من قصص الشيخ صباح محمد حيدر العدواني
هذه أدناه مجموعة الشيخ صباح العدواني التربوية وهي قصص واقعية عايشها بنفسه وسطرها بيده لتنتفع بها الأجيال القادمة فجزاه الله خيرا
عدل سابقا من قبل Admin في الأربعاء ديسمبر 26, 2012 6:06 pm عدل 2 مرات
1- الولد العاق
في احد الأيام في مكان ما من اماكن ومجالس طلب العلم والمعرفة في مدينة الموصل كنت جالسا إلى صديق لي اتحدث معه في بعض هموم ومشاكل المجتمع ، وما آل إليه حاله في وقتنا الحاضر من انعدام الرحمة والشفقة والأحترام في بعض أبناء هذا الجيل حيال آبائهم وأمهاتهم وشيوخهم من كبار السن , قال لي صديقي سمعت ليلة أمس جار لي يستغيث ويولول , فخرجنا إليه نحن وأبناء جيراننا من أبناء الحي , فإذا بإبنه يدفع به إلى خارج المنزل ، ويصرخ بوجهه أمام جمع غفير من الناس ؟ قائلاً له: إذهب إلى حيث شئت , فإنّا قد سئمنا وجودك معنا , فيرد عليه الأب إلى أين أذهب يا ولدي , فأنت أهلي ، وليس لي أحد سواك !! فيقول له الولد: إذهب إلى بيت أخوتك أو أخواتك ، فنحن قد ضاقت بنا الدار!! ، لما سمعت هذا الكلام من صديقي الذي يقص عليّ هذه القصة , أرتعدتُ فرائصي وسرت في جسدي رعشة امتدت من رأسي إلى أخمص قدمي , وسالت الدموع من عيني ، وسألته مستغربا متعجبا ، يا الله وهل من الممكن أن يحدث هذا!! هل من الممكن أن تصل ببعض الناس سوء اخلاقهم إلى هذا الانحدار !!؟ هل من الممكن أن يحدث هذا ؟ فقال لي صديقي: أصبر وتمهل ولا تعجب ، لأنك ستعجب اكثر حينما اكمل لك القصة , قلت اذن اكمل ـ قلت ذلك بشغف وشوق لسماع ما تبقى من القصة ـ ، هنالك بدأ الصديق يقص عليّ قصته ويكشف لي عن خبيئة أمر هذا الشيخ ، فقال لي : لقد كان هذا الولد العاق هو الوحيد لهذا الشيخ ، لم يرزق بغيره من زوجته التي ماتت قبله بعامين , وقبل ستة أشهر من حديثنا , طلب الولد من أبيه أن يسجل هذا البيت بأسمه , لأن أباه الشيخ عنده إخوة , ويخاف الولد إذا مات الشيخ أن يحاصصوه في تركة أخيهم , وقال لأبيه أترضى أن يأتوا بعد موتك ويأخذوا مني البيت ؟ وكان الشيخ جاهلا بالشرع وبالقانون , وظل الولد يستعطف أباه ويتحايل عليه حتى أقنعه بتسجيل المنزل بأسمه , فعلا تم له ذلك وأصبح المنزل بأسم الولد , وبظرف ستة أشهر أنقلب الولد العاق على أبيه , وصار يهمله ويتضايق منه , ويظن بأن هذا الأب أصبح عالة عليه , حتى جاءت تلك الليلة المشئومة ، وطرد فيها الولد أباه الشيخ المسكين ، صديقي يتكلم وتخرج العبارات من فمه ، وكأنها صواعق تنزل على كاهلي ، وكأنها وخزات في أحشائي , والحق أقول بأن هذه القصة قد أدمت قلبي ، وهزّت كياني ، وأنا في خضم هذا التفكير ، وإذا بصديقي يقول لي: أمسح دموعك يا رجل ، فإن في زماننا هذا ما هو أعجب من قصة هذا الشيخ المسكين !! فنظرت إليه متعجبا , وقلت كيف ، وهل هناك ما هو اعجب ؟ وهل من الممكن حقاً أن يفعل الأنسان بوالده كما تقول ؟
فقال لي صديقي كأني بك لم تصدق ما أقصه عليك , قلت : لا والله يا أخي أنا أعرف أنّ الدنيا فيها شرور وإجرام , ولكني لا أعتقد أنها تصل إلى حد أن يفعل الولد بأبيه مثل هذا , وأني أظنك تقص عليّ احدى رواياتك التي تؤلفها الآن ؟
فقال لي : هل لديك الآن موعد أو إلتزام ما ؟ قلت : لا لماذا ، قال : إذاً هيا بنا لنذهب سوية لأريك بطل هذه القصة , فتراه بعينيك لتصدقني , فقمت معه وأنا متلهف لأرى ذلك الشيخ المنكوب , ولأرى هل ما قصّه عليّ حقيقة ؟؟
فركبنا سيارته وأنطلق بنا إلى منطقة الزهور التي يقع فيها ( دار العجزة ) , وأوقف سيارته الى جانب الطريق ، ونزلنا وتوجهنا إلى داخل (الدار) , وبهذه المناسبة أقترح عليّ صديقي أن أنتهز الفرصة لأرى وأسمع القصص والروايات التي لا تقل شأناً ومصيبة عن قصة ورواية الشيخ الذي جئنا من أجله .
لقد كان صديقي من رواد هذا المكان ، بعدها عرفت بأنه كان يأتي دائما إلى هذا المكان ، ويجلب معه ما شاء الله له أن يستطيع أن يجود به على هؤلاء المساكين الأحياء الأموات , ووقف بي أمام رجل محطم منهك القوى ، أكل عليه الزمن وشرب , وقلنا السلام عليكم , فنظر إلينا وتهلل وجهه فرحاً ورد علينا التحية بأحسن منها , وأفسح لنا المكان وأجلسنا على سريره التعبان الممزق , وسأله صاحبي كيف حالك يا أبا ( ؟ ) , فقال الحمد لله أنا بخير بفضل الله سبحانه وتعالى ، وبفضل الطيبين من أمثالكم , ولكن أرجوك يا ولدي لا تناديني بأسم هذا الولد العاق , ولا تقل لي أبا فلان , فلقد أسقطته من سجل حياتي ، فقال له صديقي : يا عماه لو سمحت لي عندي سؤال اود أن أطرحه عليك ، فقال له الشيخ أسأل يا ولدي , وأني لا أُخفيك شيئاً , فقال صاحبي : يا عماه , لماذا سجلت البيت بأسم ولدك ؟ ألا تعلم بأنك شجعته على الانحراف ، وبالتالي فعل فعلته وطردك من بيتك ؟ ألم تعلم بأنه قد أحتال عليك لما أخبرك بأن أخوتك سوف يأتوا بعد مماتك ويشاركوه بالإرث .
قال الشيخ المنكوب لصاحبي : يا ولدي إن الله إذا اراد أمراً هيأ له اسبابه , وهذا الذي حدث , وصحيح أنه أحتال علي في هذا الأمر , ولكن لم أكن أدري أن العقوق يصل به إلى ما وصل إليه , لقد أخذ حقه مني غصباً وبهتانا , فتعجبنا أنا وصاحبي من كلامه , وقلنا وكيف تقول حقه , ثم تقول أخذه غصبا وبهتانا ، قال يا أولادي : إنه حقه بعدما أموت , ولو صبر على حقه هذا لأخذه بعد موتي بالحلال ، وأصبح له حلالاً من غير غضب الله ولفاز أيضاً برضى أبيه من بعد رضى الله ، ولكنه أستعجل على هذا الحق ، ولم يصبر فأخذه حراماً ، ولكن أختار لنفسه بنفسه الشقاء في عقوق من أوصاه به ربه ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ، نسأل الله أن يهديه ويصلحه ، فلما سمعت كلامه هذا ، أخذت دموعي تنهمر على خدي من شدة تأثري بهذا الكلام : الذي فعلاً لا يصدر إلاّ من والد ، فتذكرت قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) . فسألت الشيخ : يا عم ما الذي يؤرقك الآن ؟ قال عدم رؤية ولدي وأحفادي ، أريد أن أراهم لأنهم لا يأتونني ، واني مشتاق إليهم ، فقلت يا عم بعد كل ما فعله بك , وأنت تريد أن تراه وأولاده ، وهل صفحت أنت عن ولدك وعفوت عنه : فقال والله يا ولدي ما أصبح علي الصباح وأمسى عليّ المساء ، وتذكرت فيها تلك الليلة المشئومة إلا وقد سامحته ودعوت الله له من أعماق قلبي بالهداية والرحمة .
يا الله ؟؟؟؟ يا لروعة الأبوة يا لروعة الحنان:
وتذكرت حينها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاءه رجل إليه يسأله من أحق الناس بحسن صحبتي ؟ قال( أمك ) قال ثم من؟ قال (أمك) قال ثم من؟ قال (أمك) قال ثم من؟ قال (أبوك). ودعنا الشيخ المنكوب بعد أن سألنا أن نأتيه بأخبار أحفاده .
ثم بعدها أخذت ازور هذا الشيخ في فترات متلاحقة بصحبة صديقي , حتى فاجأنا أحد العاملين في الدار عندما جئنا لزيارة الشيخ بخبر موته , لقد مات الشيخ المسكين في دار العجزة ، ودفن من قبل العاملين فيها , فدخلنا إلى مدير الدار ورحب بنا , فسألناه الم يأت أحد من أقارب الشيخ عند دفنه ؟ فقال: لا لم يأت أحد , فسألنا المدير عن مكان قبره , فأرشدنا إليها بالوصف , فذهبت وصاحبي إلى المقبرة ، ووقفنا على قبر الشيخ وبكينا عليه وترحمنا ودعونا له ، ولكن في الحقيقة أنا شخصيا لم ابك على الشيخ فحسب ، بل بكيت أيضا لموت الرحمة في قلوب بعض الناس.
وبعد مضي ثلاث سنوات أو أكثر على حادثة وفاة الشيخ ، التقيت بصديقي ، وبعد السلام والكلام كما يقولون : قال لي أتذكر ذلك الشيخ المنكوب ؟ قلت: وهل ينسى مثل هذا الرجل , وهل تنسى قصته مع ابنه , قال : إذن اسمع ما جرى لأبنه .
قال صديقي : تعلم أن هذا الولد العاق لأبيه كان يعمل موظفا في احد دوائر الدولة بصفة محاسب ، ويبدو انه قد اختلس مبلغا ضخما ، على إثرها قبض عليه ثم حوكم وسجن ثلاث سنوات , وبعد إكماله مدة محكوميته , خرج من السجن , وجلس في البيت أياما ، واخذ يبحث له عن عمل , فلم يجد , فأشارت عليه زوجته أن يذهب إلى بغداد للعمل هناك , فربما يجد فيها عملا لأنها العاصمة , ويوجد فيها فرصا للعمل كبيرة ، فذهب فعلا إلى بغداد حاملاً معه ورقة فيها عنوان رجل من أقارب زوجته التي أوصته بالذهاب إليه ؟ ليجد له عملا هناك ، وبالفعل استطاع أن يقابل أقارب زوجته هناك , واستطاعوا أن يهيئوا له فرصة عمل ، وعلى الرغم من مشقته , إلاّ أنه صبر واستمر على عمله هذا ، وبعد مرور أشهر من العمل المضني رجع إلى الموصل ، فوجد الزوجة قد وجدت لها عملا في احد المستشفيات ممرضة ، ورضي بواقع الحال ، وأخذ يعمل يوم هنا ويوماً هناك .
وفي احد الأيام أخبرته زوجته بأنها تريد منه أن يسجل البيت بأسمها ، خوفا عليه من الضياع , فقال لها : وأي ضياع هذا ! ولماذا يضيع البيت ؟ فقالت له : لقد علمت انك تلعب القمار في الليالي مع أصدقاء السوء , وأنا أخاف أن تبيعه دون علمنا وتلعب بثمنه , عندها يضيع كل شيء , وأصرت على موقفها , وأخيرا أذعن الزوج لطلب زوجته ، وسجل البيت باسمها , ودارت الأيام ، وكأنه قد أصابته لعنة أبيه ، فأصبح يتعاطى المسكرات , ويلعب القمار , وصار لا يأتي إلى البيت إلا في أوقات متأخرة وهو سكران ، حتى جزعت منه زوجته .
وفي يوم من الأيام رجته الزوجة أن يذهب إلى بغداد لإيصال بعض الحاجيات لبعض أقربائها ، وأعطته ما يصرف في ذهابه وإيابه , فذهب إلى بغداد ، وأوصل الحاجيات لأقرباء زوجته ، فإذا بهم يكرمونه إكراما زائدا ويرحبون به على غير عادتهم , ويرجوه أن يبقى عندهم عدة أيام , وأغروه بان في بغداد أماكن للهو ولعب القمار , فبقي عندهم مدة عشرين يوما ، بعدها قالوا له: اذهب فان زوجتك تطلبك .
فرجع إلى الموصل وتوجه إلى بيته ، ولما وصل وطرق الباب , خرجت إليه امرأة لا يعرفها , وقالت له: ماذا تريد ؟ فقال لها : من أنت ؟ وماذا تفعلين هنا ؟ أين فلانة زوجتي ؟ فقالت له : ها . ها . ها أنت زوج صاحبة هذا البيت ، والله لا ندري , فقد باعتنا هذا البيت وأخلته لنا سريعا وسجلته باسمنا ، ونحن نقيم فيه الآن ؟ فوجئ الرجل وأصابه الذهول ، ثم أخذ يولول ويصيح ولكن هيهات , وتوقف زميلي عن الكلام ، فقلت له : وأين ذهبت هي وأولادها , قال صديقي : اتفقت مع أحد الممرضين المصريين الذي كان يعمل معها في المستشفى ، على بيع البيت والهروب معه إلى مصر هي وأولادها , وبكيت مرة أخرى وبحرقة وحسرة وألم ، ولم أبك على الذي باع والده وخسر زوجه وماله وأولاده ، ولكني بكيت هذه المرة على الأخلاق والقيم والمبادئ التي ضاعت ، وفي صباح أحد الأيام ذهبت إلى دار العجزة كالعادة لأرى المنكوبين ، وإذا بصديقي جالس مع أحدهم ، وهو يطيب خاطره ، فسلمت عليهم ، وقلت لصاحبي معاتبا له لماذا يا أخي لم تقل لي حتى نأتي سوية ، فقال اجلس اجلس لقد سبقتك اليوم ، فجلست معهم أحادثهم ، فقال: لي صديقي أتدري من هذا الرجل ؟ قلت لا : قال : هذا ابن الشيخ المنكوب فأنتفضت واقفا مدهوشا !!؟؟؟
يا ألله يا عدل يا منتقم ......
لقد جاء الولد في نفس المكان الذي توفى فيه أبوه!!؟ يا لعدالة السماء( ) !! وأخيرا أصبحنا من رواد دار العجزة ، وأصبح المدير من أصدقائنا .
وفي ليلة من الليالي رن جرس الهاتف عليً ، فإذا به صديقي يخبرني بموت ابن الشيخ المنكوب ، ويطلب مني ان احضر الجنـازة غدا باكرا لدفنه صباحا .
وجاء الصباح ولم يأت أحد يسأل عنه غيرنا .
وجاء مدير العجزة إلينا ليخبرنا بأن الحفارين قد فرغوا توا من حفرهم ، فأخذنا الميت وذهبنا به إلى المقبرة لدفنه ، فقادتنا سيارة الإسعاف التي تحملنا والجثمان إلى المقبرة ودفناه وعدنا .......
هذا وما يتذكر الا الوا الألباب
فقال لي صديقي كأني بك لم تصدق ما أقصه عليك , قلت : لا والله يا أخي أنا أعرف أنّ الدنيا فيها شرور وإجرام , ولكني لا أعتقد أنها تصل إلى حد أن يفعل الولد بأبيه مثل هذا , وأني أظنك تقص عليّ احدى رواياتك التي تؤلفها الآن ؟
فقال لي : هل لديك الآن موعد أو إلتزام ما ؟ قلت : لا لماذا ، قال : إذاً هيا بنا لنذهب سوية لأريك بطل هذه القصة , فتراه بعينيك لتصدقني , فقمت معه وأنا متلهف لأرى ذلك الشيخ المنكوب , ولأرى هل ما قصّه عليّ حقيقة ؟؟
فركبنا سيارته وأنطلق بنا إلى منطقة الزهور التي يقع فيها ( دار العجزة ) , وأوقف سيارته الى جانب الطريق ، ونزلنا وتوجهنا إلى داخل (الدار) , وبهذه المناسبة أقترح عليّ صديقي أن أنتهز الفرصة لأرى وأسمع القصص والروايات التي لا تقل شأناً ومصيبة عن قصة ورواية الشيخ الذي جئنا من أجله .
لقد كان صديقي من رواد هذا المكان ، بعدها عرفت بأنه كان يأتي دائما إلى هذا المكان ، ويجلب معه ما شاء الله له أن يستطيع أن يجود به على هؤلاء المساكين الأحياء الأموات , ووقف بي أمام رجل محطم منهك القوى ، أكل عليه الزمن وشرب , وقلنا السلام عليكم , فنظر إلينا وتهلل وجهه فرحاً ورد علينا التحية بأحسن منها , وأفسح لنا المكان وأجلسنا على سريره التعبان الممزق , وسأله صاحبي كيف حالك يا أبا ( ؟ ) , فقال الحمد لله أنا بخير بفضل الله سبحانه وتعالى ، وبفضل الطيبين من أمثالكم , ولكن أرجوك يا ولدي لا تناديني بأسم هذا الولد العاق , ولا تقل لي أبا فلان , فلقد أسقطته من سجل حياتي ، فقال له صديقي : يا عماه لو سمحت لي عندي سؤال اود أن أطرحه عليك ، فقال له الشيخ أسأل يا ولدي , وأني لا أُخفيك شيئاً , فقال صاحبي : يا عماه , لماذا سجلت البيت بأسم ولدك ؟ ألا تعلم بأنك شجعته على الانحراف ، وبالتالي فعل فعلته وطردك من بيتك ؟ ألم تعلم بأنه قد أحتال عليك لما أخبرك بأن أخوتك سوف يأتوا بعد مماتك ويشاركوه بالإرث .
قال الشيخ المنكوب لصاحبي : يا ولدي إن الله إذا اراد أمراً هيأ له اسبابه , وهذا الذي حدث , وصحيح أنه أحتال علي في هذا الأمر , ولكن لم أكن أدري أن العقوق يصل به إلى ما وصل إليه , لقد أخذ حقه مني غصباً وبهتانا , فتعجبنا أنا وصاحبي من كلامه , وقلنا وكيف تقول حقه , ثم تقول أخذه غصبا وبهتانا ، قال يا أولادي : إنه حقه بعدما أموت , ولو صبر على حقه هذا لأخذه بعد موتي بالحلال ، وأصبح له حلالاً من غير غضب الله ولفاز أيضاً برضى أبيه من بعد رضى الله ، ولكنه أستعجل على هذا الحق ، ولم يصبر فأخذه حراماً ، ولكن أختار لنفسه بنفسه الشقاء في عقوق من أوصاه به ربه ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ، نسأل الله أن يهديه ويصلحه ، فلما سمعت كلامه هذا ، أخذت دموعي تنهمر على خدي من شدة تأثري بهذا الكلام : الذي فعلاً لا يصدر إلاّ من والد ، فتذكرت قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) . فسألت الشيخ : يا عم ما الذي يؤرقك الآن ؟ قال عدم رؤية ولدي وأحفادي ، أريد أن أراهم لأنهم لا يأتونني ، واني مشتاق إليهم ، فقلت يا عم بعد كل ما فعله بك , وأنت تريد أن تراه وأولاده ، وهل صفحت أنت عن ولدك وعفوت عنه : فقال والله يا ولدي ما أصبح علي الصباح وأمسى عليّ المساء ، وتذكرت فيها تلك الليلة المشئومة إلا وقد سامحته ودعوت الله له من أعماق قلبي بالهداية والرحمة .
يا الله ؟؟؟؟ يا لروعة الأبوة يا لروعة الحنان:
وتذكرت حينها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاءه رجل إليه يسأله من أحق الناس بحسن صحبتي ؟ قال( أمك ) قال ثم من؟ قال (أمك) قال ثم من؟ قال (أمك) قال ثم من؟ قال (أبوك). ودعنا الشيخ المنكوب بعد أن سألنا أن نأتيه بأخبار أحفاده .
ثم بعدها أخذت ازور هذا الشيخ في فترات متلاحقة بصحبة صديقي , حتى فاجأنا أحد العاملين في الدار عندما جئنا لزيارة الشيخ بخبر موته , لقد مات الشيخ المسكين في دار العجزة ، ودفن من قبل العاملين فيها , فدخلنا إلى مدير الدار ورحب بنا , فسألناه الم يأت أحد من أقارب الشيخ عند دفنه ؟ فقال: لا لم يأت أحد , فسألنا المدير عن مكان قبره , فأرشدنا إليها بالوصف , فذهبت وصاحبي إلى المقبرة ، ووقفنا على قبر الشيخ وبكينا عليه وترحمنا ودعونا له ، ولكن في الحقيقة أنا شخصيا لم ابك على الشيخ فحسب ، بل بكيت أيضا لموت الرحمة في قلوب بعض الناس.
وبعد مضي ثلاث سنوات أو أكثر على حادثة وفاة الشيخ ، التقيت بصديقي ، وبعد السلام والكلام كما يقولون : قال لي أتذكر ذلك الشيخ المنكوب ؟ قلت: وهل ينسى مثل هذا الرجل , وهل تنسى قصته مع ابنه , قال : إذن اسمع ما جرى لأبنه .
قال صديقي : تعلم أن هذا الولد العاق لأبيه كان يعمل موظفا في احد دوائر الدولة بصفة محاسب ، ويبدو انه قد اختلس مبلغا ضخما ، على إثرها قبض عليه ثم حوكم وسجن ثلاث سنوات , وبعد إكماله مدة محكوميته , خرج من السجن , وجلس في البيت أياما ، واخذ يبحث له عن عمل , فلم يجد , فأشارت عليه زوجته أن يذهب إلى بغداد للعمل هناك , فربما يجد فيها عملا لأنها العاصمة , ويوجد فيها فرصا للعمل كبيرة ، فذهب فعلا إلى بغداد حاملاً معه ورقة فيها عنوان رجل من أقارب زوجته التي أوصته بالذهاب إليه ؟ ليجد له عملا هناك ، وبالفعل استطاع أن يقابل أقارب زوجته هناك , واستطاعوا أن يهيئوا له فرصة عمل ، وعلى الرغم من مشقته , إلاّ أنه صبر واستمر على عمله هذا ، وبعد مرور أشهر من العمل المضني رجع إلى الموصل ، فوجد الزوجة قد وجدت لها عملا في احد المستشفيات ممرضة ، ورضي بواقع الحال ، وأخذ يعمل يوم هنا ويوماً هناك .
وفي احد الأيام أخبرته زوجته بأنها تريد منه أن يسجل البيت بأسمها ، خوفا عليه من الضياع , فقال لها : وأي ضياع هذا ! ولماذا يضيع البيت ؟ فقالت له : لقد علمت انك تلعب القمار في الليالي مع أصدقاء السوء , وأنا أخاف أن تبيعه دون علمنا وتلعب بثمنه , عندها يضيع كل شيء , وأصرت على موقفها , وأخيرا أذعن الزوج لطلب زوجته ، وسجل البيت باسمها , ودارت الأيام ، وكأنه قد أصابته لعنة أبيه ، فأصبح يتعاطى المسكرات , ويلعب القمار , وصار لا يأتي إلى البيت إلا في أوقات متأخرة وهو سكران ، حتى جزعت منه زوجته .
وفي يوم من الأيام رجته الزوجة أن يذهب إلى بغداد لإيصال بعض الحاجيات لبعض أقربائها ، وأعطته ما يصرف في ذهابه وإيابه , فذهب إلى بغداد ، وأوصل الحاجيات لأقرباء زوجته ، فإذا بهم يكرمونه إكراما زائدا ويرحبون به على غير عادتهم , ويرجوه أن يبقى عندهم عدة أيام , وأغروه بان في بغداد أماكن للهو ولعب القمار , فبقي عندهم مدة عشرين يوما ، بعدها قالوا له: اذهب فان زوجتك تطلبك .
فرجع إلى الموصل وتوجه إلى بيته ، ولما وصل وطرق الباب , خرجت إليه امرأة لا يعرفها , وقالت له: ماذا تريد ؟ فقال لها : من أنت ؟ وماذا تفعلين هنا ؟ أين فلانة زوجتي ؟ فقالت له : ها . ها . ها أنت زوج صاحبة هذا البيت ، والله لا ندري , فقد باعتنا هذا البيت وأخلته لنا سريعا وسجلته باسمنا ، ونحن نقيم فيه الآن ؟ فوجئ الرجل وأصابه الذهول ، ثم أخذ يولول ويصيح ولكن هيهات , وتوقف زميلي عن الكلام ، فقلت له : وأين ذهبت هي وأولادها , قال صديقي : اتفقت مع أحد الممرضين المصريين الذي كان يعمل معها في المستشفى ، على بيع البيت والهروب معه إلى مصر هي وأولادها , وبكيت مرة أخرى وبحرقة وحسرة وألم ، ولم أبك على الذي باع والده وخسر زوجه وماله وأولاده ، ولكني بكيت هذه المرة على الأخلاق والقيم والمبادئ التي ضاعت ، وفي صباح أحد الأيام ذهبت إلى دار العجزة كالعادة لأرى المنكوبين ، وإذا بصديقي جالس مع أحدهم ، وهو يطيب خاطره ، فسلمت عليهم ، وقلت لصاحبي معاتبا له لماذا يا أخي لم تقل لي حتى نأتي سوية ، فقال اجلس اجلس لقد سبقتك اليوم ، فجلست معهم أحادثهم ، فقال: لي صديقي أتدري من هذا الرجل ؟ قلت لا : قال : هذا ابن الشيخ المنكوب فأنتفضت واقفا مدهوشا !!؟؟؟
يا ألله يا عدل يا منتقم ......
لقد جاء الولد في نفس المكان الذي توفى فيه أبوه!!؟ يا لعدالة السماء( ) !! وأخيرا أصبحنا من رواد دار العجزة ، وأصبح المدير من أصدقائنا .
وفي ليلة من الليالي رن جرس الهاتف عليً ، فإذا به صديقي يخبرني بموت ابن الشيخ المنكوب ، ويطلب مني ان احضر الجنـازة غدا باكرا لدفنه صباحا .
وجاء الصباح ولم يأت أحد يسأل عنه غيرنا .
وجاء مدير العجزة إلينا ليخبرنا بأن الحفارين قد فرغوا توا من حفرهم ، فأخذنا الميت وذهبنا به إلى المقبرة لدفنه ، فقادتنا سيارة الإسعاف التي تحملنا والجثمان إلى المقبرة ودفناه وعدنا .......
هذا وما يتذكر الا الوا الألباب
2- الولد الصالح
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الشريف
( رغِمَ أنفُ ، ثمَّ رغِمَ أنفُ ، من أدرك أبوَيهِ عِندَ الكِبَرِ
أحدهُما أو كِلاهُما فلم يدخُلِ الجَنة) حديثٌ صحيح رواه مسلم
------------------------------------------------------------
في صباح يومٍ من أيام الشتاء القارص ؛ دخل شيخ في السبعين من عمره إلى دار العدالة في مدينة الموصل ؛ دلف ذلك الشيخ إلى ديوان القاضي وقال : السلام عليكم ، وجلس بعيدا عن القاضي كانت ملابسه رثة ويرتجف من شدة البرد الشديد ، بقيَ صامتاً في جلسته ولم يقل شيئاً ، وبعد ساعة قام من مكانه وخرج من الديوان ؛ فأتبعه القاضي بنظره ، وقال لكاتبه هل لهذا الشيخ حاجةً عندنا ؟ قال : الكاتب والله يا سيدي لم أره من قبل .
وبعد ثلاث أو أربعة ، أيام دخل ذلك الشيخ مرَّة أخرى إلى ديوان القاضي وجلس قريبا منه ، فنظر إليه القاضي وقال له : لقد جئت قبل أيام ولم تقل أي شيء فما هي قصتك ؟
قال: الشيخ : والله يا حضرة القاضي جئتُ لأشتكي على أولادي وقد استحييتُ أن أخبركم ؛ فقال له القاضي : ولماذا تشتكي على أولادك ؟ قال : عندي ثلاث أولاد من زوجتي الثانية ؛ ربيتهم وتعبتُ عليهم وأدخلتهم المدارس وكنت لهم الأب وألاُم لأن ُمهم ماتت وهم صغار، فلما كبروا دلوا في وظائف الدولة وزَوجتُهم ثلاثتهم ، وقبل سنتين انفصلوا عني واحد وراء الآخر ولم يعطونني ولم يساعدوني في المعيشة أنا وزوجتي الثالثة أُم أولادي وبقية أولادي الصغار الخمسة ، وأنا رجل فقير ولا أستطيع العمل بعد أن كبر سني وأنهد حيلي ، فقال القاضي : وأين يعمل أولادك هؤلاء الذين تريد أن تشتكي عليهم ؟ فأعطاه عناوين عملهم فقال: القاضي اذهب الآن يا شيخ وسوف نرسل إليهم ونتحقق من الأمر، ولكن أعطي عنوانك للكاتب حتى نرسل إليك ساعة حضور أولادك ، فأعطى عنوانه للكاتب وخرج .
وبعد أيام استدعت المحكمة أولاد ذلك الشيخ فحضروا أمام القاضي بحضور الشيخ .
قال القاضي للأولاد ، أهذا الشيخ أبوكم ؟ قالوا : نعم فقال لهم لماذا لم تعينوه على معيشته ومعيشة إخوتكم الصغار ولماذا أنتم بلا رحمة تجاه هذا الشيخ المسكين الذي تعب على تربيتكم وسهر الليالي على راحتكم ، ألم تعرفوا أن الله أمر بالوالدين إحسانا ، ألم تقرؤوا في القرآن الكريم ما قال : الله سبحانه وتعالى في حقوق الوالدين ؟
فقالوا والله يا حضرة القاضي نحن أيضاً فقراء ومعيشتنا صعبة جداً ، فوبخهم القاضي على نكرانهم لحقوق أبيهم ، وقال لهم ألا تخافون غضب الله عليكم من عقوق هذا الشيخ المسكين
( والله إن لم تكفُلوهُ وإخوتكم ؛ فسوف آمرُ بحبسكم جميعا ) ثمَّ فَرض على كلِّ واحدٍ منهم مبلغا مناسباً من المال لأبيهم يأتون به للمحكمة كل رأس شهر، وأخذ من كل واحد منهم مبلغا في ساعتها وأعطاها للشيخ وصرفهم .
وقد انتظم الشيخ في المجيء إلى المحكمة ليأخذ ما فُرضَ له من كلِ شهر لمدة أكثر من ثلاث سِنين ، وفي يوم جاء الشيخ إلى ديوان القاضي مرَّةً أخرى وجلس ينتظر.
نظر القاضي إليه مستفسراً وقال له : ألم يأتيك راتبك كل شهر ؟ قال الشيخ نعم يا حضرة القاضي ولكن هناك مسألة جديدة أُريد أن أستشيرك فيها ،
قال: القاضي وما هي ؟ قال الشيخ يا حضرة القاضي كان لي زوجة من أهل بغداد تزوجتها قبل أربعين سنة وقبل وهي زوجتي الأولى ، وقد رزقتُ منها بولد واحد ، وكانت هذه الزوجة تحبُّ أهلها كثيرا بحيث أنها لم تقدر على فراقهم ، وكانت تكلفني كثيرا في السفر إلى أهلها في بغداد ، أنا رجل فقير؛ فخيَّرتُها إمَّا أن تبقى معي وتجعل زيارتها لأهلها كل سنة ، وإمَّا أن نفترق ، فاختارت أهلها ولكن توسلت إليَّ أن تأخذ الولد معها ، وحينما طلقتها كان الولد عمره ستة أشهر فقط ،
والآن يا حضرة القاضي يقولون : بأن ولدي ذاك أصبح ضابطا في الجيش وحالته جيدة ، فهل يحقُّ لي أن أطلبَ منه المعونة ؟ فقال : القاضي نعم من حقك فهو ابنك ؛ والولد وما يملك لأبيه ولكن هل تعرف مكانه أو عنوانه ؟ فقال الشيخ والله يا حضرة أنا اعرف عنوان أهل أمه القديم ، في بغداد ، فقال القاضي سوف نرسل برقية إلى وزارة الدفاع نسألهم عن مكان عمله في الجيش ثم نطلبه للحضور إلى هنا.
وفعلا تم ذلك ، وفي يوم دخل ديوان قاضي الموصل ؛رجلا في منتصف العقد الخامس من عمره وقال للقاضي أنا ...
لقد جاءني طلب بالحضور من ديوانكم الموقر، فماذا هناك ؟
فنظر إليه القاضي ، وقال له نعم لقد أقام عليك والدك دعوة بطلب إعانة ، فاندهش الرجل مما يسمع وقال يا قاضينا الكريم ؛ أنا من مدينة بغداد ولم أرى الموصل في حياتي ، وبالإضافةِ إنَّ والدي متوفى منذ كان عمري سنة ؛ فهل يعقل هذا الكلام ؟ قال له القاضي اجلس وانتظر فقد بعثنا إلى الشيخ الذي يدعي بأنه والدك ، فجلس الرجل وهو محتار مما يسمع .
وبعد قليل جاء الشيخ ونظر إلى القاضي مستفسرا ؟ فقال له القاضي هذا ابنك الضابط ، فنظر إليه الشيخ و غرقت عيناه بالدموع ، ومد يده لمصافحة ابنه فقال له الرجل يا عماه أنا والدي متوفى منذ أربعين سنة ؟ فكيف تدعي بأنك والدي ؟ ومن أين تعرفني ؟ فقال له الشيخ أنت اسمك .... وأمك اسمها .... وأخوالك ...وجدُّك ....، وأخذ الشيخ يعدد له جميع عشيرة أمه واحدا واحدا.
فتحيَّر الرجل مما سمع من الشيخ ، وطلب من القاضي أن يمهله مدة أسبوع للذهاب إلى بغداد لينظر الأمر ؛ فأمهله القاضي بالمدة التي طلبها ، خرج الرجل من ديوان القاضي وهو متعجب مما رأى وسمع .
قصَّ الرجل لُعلى أمِّه ما جرى له في محكمة الموصل وطلب منها تفسيرا لذلك ، فقامت الأم وجلبت من غرفتها ( صورة شخصية ) ؛ وقالت هل هذا الذي في الصورة هو الشيخ ؟ فنظر إلى الصورة وقال نعم هو فقالت الأم : نعم يا ولدي هذا هو أبوك ولقد أخبرناك بانَّ أباك قد مات وذلك خوفا أن تضيع مني .
وألان وقد علمت بالأمر فاعلم أنَّ أباك رجلا شريفا ذو أخلاق سامية ، وهو من أحسن العائلات في مدينة الموصل ، ولتعلم يا ولدي بأننا لم نفترق على شيء غير إني كنت أحب أهلي وهو رجل لم يكن يستطيع على تحمل أعباء مصاريف سفري المتكرر إلى أهلي ، وقد عرضت عليه أن يأتي إلى بغداد لنعيش قرب أهلي فرفض ، فحينها أنا طلبتُ منه الطلاق ، فاذهب يا ولدي الآن إليه وساعده بكل ما تستطيع فهو والدك وله الحق عليك .
وبعد أسبوع ، دخل الولد إلى ديوان القاضي فرحب بِهِ وأجلسه ، وسأله قائلا ماذا رأيت يا ولدي ؟ عن قصة الشيخ هل صحيح هو أبوك ؟
فقال : نعم يا جناب القاضي صحيح هو والدي وقد افترق عن أمي منذ أكثر من أربعين سنة ؛ لظروفٍ قاهرة ، والآن أين هو ؟ فأرسل القاضي إلى الشيخ .... فلما حضر قام الولد واحتضن أباه بلهفة وشوق وانهمرت الدموع من العيون ، وكان لقاءاً مؤثرا جدا لغاية أنهم أبكوا من كان حاضرا في قاعة الديوان .
وبعدها جلس الجميع فقال : القاضي للولد والآن بماذا تستطيع أن تعاون والدك شهريا ؛ لمساعدته على المعيشة وتربية إخوتك الصغار ؟ فضحك الولد وقال يا جناب القاضي عندما دخلتُ ديوانكم الموقر لأول مرَّة لم يكن لديّ أب ؛ والآن الحمد لله أصبح لي أب وقد علمتُ أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخبر الرجل الذي جاء يسأله عن حقِّ الوالد ؟ فقال له :
( أنت وما تملك لأبيك ) فأنا وما أملك لأبي إن شاء الله ، ومهما أعمل له فلن أوُفِّيه حق من حقوقه علي فأرجوا منك السماح لنا لننصرف ، كما أرجوا منك يا حضرة القاضي أن تسقط الدعوة التي أقامها والدي على إخوتي الثلاثة لأنَّ أبي منذ الآن لا يحتاج لأحد إن شاء الله ، وأخذ بيد والده وخرج من عند القاضي .
وذهب الولد الصالح برفقة والده إلى بيته ، فلما دخل البيت ورأى إخوته الصغار وحالتهم المزرية وفقرهم ؛ بكى عليهم مما رأى ، وتقطع قلبه عليهم من فقرهم وسوء حالهم فأخذ أباه إلى السوق اشترى لأبيه ولإخوته وزوجة أبيه كل ما يحتاجون .
وأرسل إلى إخوته الثلاثة الآخرين فتعرَّف عليهم وأكرمهم جميعاً وبقيَّ معهم يومين في الموصل ؛ ثمَّ رجع إلى بغداد .
وبعد ثلاثة أشهر رجع الولد الصالح إلى الموصل برفقة أُمه ، وكانت مفاجئة مفرحة لأبيه الشيخ وللجميع واحتضن أباه فنظر الشيخ إلى زوجته وسلم عليها ، فقال الولد الصالح لأبيه أخبرتني الوالدة بأنك قبل أربعين سنة قد طلقتها طلقة واحدة ، والآن هي راجعة إليك يا أبي ، وهناك بشرة أخرى للجميع يا أبي ؛ فقال الشيخ وما هي ؟ فقال لقد بعنا كل ما نملك في بغداد ، ونقلتُ نفسي إلى الموصل لنعيش سويةً ، وحتى لا نفترق بعدها ؛ ثمَّ أحتضن أباه وأخذ يقبله .
( رغِمَ أنفُ ، ثمَّ رغِمَ أنفُ ، من أدرك أبوَيهِ عِندَ الكِبَرِ
أحدهُما أو كِلاهُما فلم يدخُلِ الجَنة) حديثٌ صحيح رواه مسلم
------------------------------------------------------------
في صباح يومٍ من أيام الشتاء القارص ؛ دخل شيخ في السبعين من عمره إلى دار العدالة في مدينة الموصل ؛ دلف ذلك الشيخ إلى ديوان القاضي وقال : السلام عليكم ، وجلس بعيدا عن القاضي كانت ملابسه رثة ويرتجف من شدة البرد الشديد ، بقيَ صامتاً في جلسته ولم يقل شيئاً ، وبعد ساعة قام من مكانه وخرج من الديوان ؛ فأتبعه القاضي بنظره ، وقال لكاتبه هل لهذا الشيخ حاجةً عندنا ؟ قال : الكاتب والله يا سيدي لم أره من قبل .
وبعد ثلاث أو أربعة ، أيام دخل ذلك الشيخ مرَّة أخرى إلى ديوان القاضي وجلس قريبا منه ، فنظر إليه القاضي وقال له : لقد جئت قبل أيام ولم تقل أي شيء فما هي قصتك ؟
قال: الشيخ : والله يا حضرة القاضي جئتُ لأشتكي على أولادي وقد استحييتُ أن أخبركم ؛ فقال له القاضي : ولماذا تشتكي على أولادك ؟ قال : عندي ثلاث أولاد من زوجتي الثانية ؛ ربيتهم وتعبتُ عليهم وأدخلتهم المدارس وكنت لهم الأب وألاُم لأن ُمهم ماتت وهم صغار، فلما كبروا دلوا في وظائف الدولة وزَوجتُهم ثلاثتهم ، وقبل سنتين انفصلوا عني واحد وراء الآخر ولم يعطونني ولم يساعدوني في المعيشة أنا وزوجتي الثالثة أُم أولادي وبقية أولادي الصغار الخمسة ، وأنا رجل فقير ولا أستطيع العمل بعد أن كبر سني وأنهد حيلي ، فقال القاضي : وأين يعمل أولادك هؤلاء الذين تريد أن تشتكي عليهم ؟ فأعطاه عناوين عملهم فقال: القاضي اذهب الآن يا شيخ وسوف نرسل إليهم ونتحقق من الأمر، ولكن أعطي عنوانك للكاتب حتى نرسل إليك ساعة حضور أولادك ، فأعطى عنوانه للكاتب وخرج .
وبعد أيام استدعت المحكمة أولاد ذلك الشيخ فحضروا أمام القاضي بحضور الشيخ .
قال القاضي للأولاد ، أهذا الشيخ أبوكم ؟ قالوا : نعم فقال لهم لماذا لم تعينوه على معيشته ومعيشة إخوتكم الصغار ولماذا أنتم بلا رحمة تجاه هذا الشيخ المسكين الذي تعب على تربيتكم وسهر الليالي على راحتكم ، ألم تعرفوا أن الله أمر بالوالدين إحسانا ، ألم تقرؤوا في القرآن الكريم ما قال : الله سبحانه وتعالى في حقوق الوالدين ؟
فقالوا والله يا حضرة القاضي نحن أيضاً فقراء ومعيشتنا صعبة جداً ، فوبخهم القاضي على نكرانهم لحقوق أبيهم ، وقال لهم ألا تخافون غضب الله عليكم من عقوق هذا الشيخ المسكين
( والله إن لم تكفُلوهُ وإخوتكم ؛ فسوف آمرُ بحبسكم جميعا ) ثمَّ فَرض على كلِّ واحدٍ منهم مبلغا مناسباً من المال لأبيهم يأتون به للمحكمة كل رأس شهر، وأخذ من كل واحد منهم مبلغا في ساعتها وأعطاها للشيخ وصرفهم .
وقد انتظم الشيخ في المجيء إلى المحكمة ليأخذ ما فُرضَ له من كلِ شهر لمدة أكثر من ثلاث سِنين ، وفي يوم جاء الشيخ إلى ديوان القاضي مرَّةً أخرى وجلس ينتظر.
نظر القاضي إليه مستفسراً وقال له : ألم يأتيك راتبك كل شهر ؟ قال الشيخ نعم يا حضرة القاضي ولكن هناك مسألة جديدة أُريد أن أستشيرك فيها ،
قال: القاضي وما هي ؟ قال الشيخ يا حضرة القاضي كان لي زوجة من أهل بغداد تزوجتها قبل أربعين سنة وقبل وهي زوجتي الأولى ، وقد رزقتُ منها بولد واحد ، وكانت هذه الزوجة تحبُّ أهلها كثيرا بحيث أنها لم تقدر على فراقهم ، وكانت تكلفني كثيرا في السفر إلى أهلها في بغداد ، أنا رجل فقير؛ فخيَّرتُها إمَّا أن تبقى معي وتجعل زيارتها لأهلها كل سنة ، وإمَّا أن نفترق ، فاختارت أهلها ولكن توسلت إليَّ أن تأخذ الولد معها ، وحينما طلقتها كان الولد عمره ستة أشهر فقط ،
والآن يا حضرة القاضي يقولون : بأن ولدي ذاك أصبح ضابطا في الجيش وحالته جيدة ، فهل يحقُّ لي أن أطلبَ منه المعونة ؟ فقال : القاضي نعم من حقك فهو ابنك ؛ والولد وما يملك لأبيه ولكن هل تعرف مكانه أو عنوانه ؟ فقال الشيخ والله يا حضرة أنا اعرف عنوان أهل أمه القديم ، في بغداد ، فقال القاضي سوف نرسل برقية إلى وزارة الدفاع نسألهم عن مكان عمله في الجيش ثم نطلبه للحضور إلى هنا.
وفعلا تم ذلك ، وفي يوم دخل ديوان قاضي الموصل ؛رجلا في منتصف العقد الخامس من عمره وقال للقاضي أنا ...
لقد جاءني طلب بالحضور من ديوانكم الموقر، فماذا هناك ؟
فنظر إليه القاضي ، وقال له نعم لقد أقام عليك والدك دعوة بطلب إعانة ، فاندهش الرجل مما يسمع وقال يا قاضينا الكريم ؛ أنا من مدينة بغداد ولم أرى الموصل في حياتي ، وبالإضافةِ إنَّ والدي متوفى منذ كان عمري سنة ؛ فهل يعقل هذا الكلام ؟ قال له القاضي اجلس وانتظر فقد بعثنا إلى الشيخ الذي يدعي بأنه والدك ، فجلس الرجل وهو محتار مما يسمع .
وبعد قليل جاء الشيخ ونظر إلى القاضي مستفسرا ؟ فقال له القاضي هذا ابنك الضابط ، فنظر إليه الشيخ و غرقت عيناه بالدموع ، ومد يده لمصافحة ابنه فقال له الرجل يا عماه أنا والدي متوفى منذ أربعين سنة ؟ فكيف تدعي بأنك والدي ؟ ومن أين تعرفني ؟ فقال له الشيخ أنت اسمك .... وأمك اسمها .... وأخوالك ...وجدُّك ....، وأخذ الشيخ يعدد له جميع عشيرة أمه واحدا واحدا.
فتحيَّر الرجل مما سمع من الشيخ ، وطلب من القاضي أن يمهله مدة أسبوع للذهاب إلى بغداد لينظر الأمر ؛ فأمهله القاضي بالمدة التي طلبها ، خرج الرجل من ديوان القاضي وهو متعجب مما رأى وسمع .
قصَّ الرجل لُعلى أمِّه ما جرى له في محكمة الموصل وطلب منها تفسيرا لذلك ، فقامت الأم وجلبت من غرفتها ( صورة شخصية ) ؛ وقالت هل هذا الذي في الصورة هو الشيخ ؟ فنظر إلى الصورة وقال نعم هو فقالت الأم : نعم يا ولدي هذا هو أبوك ولقد أخبرناك بانَّ أباك قد مات وذلك خوفا أن تضيع مني .
وألان وقد علمت بالأمر فاعلم أنَّ أباك رجلا شريفا ذو أخلاق سامية ، وهو من أحسن العائلات في مدينة الموصل ، ولتعلم يا ولدي بأننا لم نفترق على شيء غير إني كنت أحب أهلي وهو رجل لم يكن يستطيع على تحمل أعباء مصاريف سفري المتكرر إلى أهلي ، وقد عرضت عليه أن يأتي إلى بغداد لنعيش قرب أهلي فرفض ، فحينها أنا طلبتُ منه الطلاق ، فاذهب يا ولدي الآن إليه وساعده بكل ما تستطيع فهو والدك وله الحق عليك .
وبعد أسبوع ، دخل الولد إلى ديوان القاضي فرحب بِهِ وأجلسه ، وسأله قائلا ماذا رأيت يا ولدي ؟ عن قصة الشيخ هل صحيح هو أبوك ؟
فقال : نعم يا جناب القاضي صحيح هو والدي وقد افترق عن أمي منذ أكثر من أربعين سنة ؛ لظروفٍ قاهرة ، والآن أين هو ؟ فأرسل القاضي إلى الشيخ .... فلما حضر قام الولد واحتضن أباه بلهفة وشوق وانهمرت الدموع من العيون ، وكان لقاءاً مؤثرا جدا لغاية أنهم أبكوا من كان حاضرا في قاعة الديوان .
وبعدها جلس الجميع فقال : القاضي للولد والآن بماذا تستطيع أن تعاون والدك شهريا ؛ لمساعدته على المعيشة وتربية إخوتك الصغار ؟ فضحك الولد وقال يا جناب القاضي عندما دخلتُ ديوانكم الموقر لأول مرَّة لم يكن لديّ أب ؛ والآن الحمد لله أصبح لي أب وقد علمتُ أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخبر الرجل الذي جاء يسأله عن حقِّ الوالد ؟ فقال له :
( أنت وما تملك لأبيك ) فأنا وما أملك لأبي إن شاء الله ، ومهما أعمل له فلن أوُفِّيه حق من حقوقه علي فأرجوا منك السماح لنا لننصرف ، كما أرجوا منك يا حضرة القاضي أن تسقط الدعوة التي أقامها والدي على إخوتي الثلاثة لأنَّ أبي منذ الآن لا يحتاج لأحد إن شاء الله ، وأخذ بيد والده وخرج من عند القاضي .
وذهب الولد الصالح برفقة والده إلى بيته ، فلما دخل البيت ورأى إخوته الصغار وحالتهم المزرية وفقرهم ؛ بكى عليهم مما رأى ، وتقطع قلبه عليهم من فقرهم وسوء حالهم فأخذ أباه إلى السوق اشترى لأبيه ولإخوته وزوجة أبيه كل ما يحتاجون .
وأرسل إلى إخوته الثلاثة الآخرين فتعرَّف عليهم وأكرمهم جميعاً وبقيَّ معهم يومين في الموصل ؛ ثمَّ رجع إلى بغداد .
وبعد ثلاثة أشهر رجع الولد الصالح إلى الموصل برفقة أُمه ، وكانت مفاجئة مفرحة لأبيه الشيخ وللجميع واحتضن أباه فنظر الشيخ إلى زوجته وسلم عليها ، فقال الولد الصالح لأبيه أخبرتني الوالدة بأنك قبل أربعين سنة قد طلقتها طلقة واحدة ، والآن هي راجعة إليك يا أبي ، وهناك بشرة أخرى للجميع يا أبي ؛ فقال الشيخ وما هي ؟ فقال لقد بعنا كل ما نملك في بغداد ، ونقلتُ نفسي إلى الموصل لنعيش سويةً ، وحتى لا نفترق بعدها ؛ ثمَّ أحتضن أباه وأخذ يقبله .
3- عذراً يا والدي
من خلال هذه القصة ؛ أُناشدُ كل من له ضمير و كل من يقرأ هذه القصة أن يلتفت إلى ألآباء وألأًُمهات الذين هم محتاجون إلي أولادهمً ( بغض النظر عن المال والماديات ) وحذار من التجاوز على حقوقهم ، وأن يتَّبعوا وصية الله فيهم من خلال قوله تعالى من سورة الإسراء: ( وقَضَى رَبُكَ أن لا تَعبُدُوا إلا إيَّاهُ وبِالوَالِدَينِ إحسَانا )
هذه القصة من واقع حياتنا اليومية ؛ جرت في مدينة الموصل في الخمسينيات ، وقد تأثرتُ بها جدا ، وهي تمثل بدرجة كبيرة واقعنا المر، وتشمل شريحة كبيرة من شرائح مجتمعنا .
( راوي هذه القصة مدرسة - من العائلة )
تقول : كانت عائلتنا تتكون من ستة أشخاص ؛ أبي وأمي وأربعة أولاد ؛ كنت الوحيدة المتعلمة من بين إخوتي، طبعاً بعد أبي الذي كان يحمل شهادة القانون
قالت : أتذكر عندما أصرَّ والدي على إبقائي في المدرسة ؛ متخطيا العادة السيئة التي كانت تسيطر على بعض الآباء ؛ الذين كانوا يحرمون البنت أن تتعدى بدراستها أكثر من الصف السادس ابتدائي على أكثر تقدير .
تقول : كنت أشعر دائماً أن هناك شيئا ما سيحصل في حياتي و حياة أُسرتي .
وذلك لأنَّ كلُّ ما كان يدور في حياتنا مؤخراً يدل على ذلك ، فقد أصبح الوالد يترك البيت كثيراً بحثاً عن مكان ينسيه همومه والواقع المرّ الذي فُرض عليه .
وبصراحة أقولها : قد ابتليَّ أبي المسكين بزوجة غير متعلمة وغير مطلعة ولا تعرف قيمة الحياة الزوجية .
كانت بعيدة كل البعد عن الوالد في كل شيء مع الأسف وهذا هو السبب الذي جعل بين أبي وأمي تلك الفجوة الكبيرة .
وبمرور الوقت أصبحت عيشتنا لا تطاق إذ اتسعت الخلافات بينهما ، وحقيقة لم نكن نتصور يوماً أن هذه الخلافات ستصل إلى هذا الحد ، الأمر الذي جعل أبي يفكر في الزواج مرَّة ثانية.
ونحن لم نكن قادرين على تصور فكرة أن يتزوج الوالد من زوجة ثانية !! وكنا نعتقد أنَّ سنوات زواجهم الأربعين لا يمكن أن تهزها الزوابع .
كنا نشعر بالحزن الشديد على وضع أبي ووضعنا ، وفيما سيؤول اليه أمرنا نتيجة هذا التشتت.... وأخيراً تزوج أبي من زوجة ثانية... ازدادت آلامنا وأحزاننا
لقد اعتبرنا زواج الوالد من امرأة ثانية تعدٍ على حقوقنا وحقوق والدتنا ، فوقفنا منه موقفا سلبيا ، وبالتالي أصبح بيننا وبينه فجوة كبيرة.
وكان الوالد يقول: لقد ضاعت قضيتي بين زوجة جاحدة ، وأولاد لا يعرفون معنى البِرَّ الحقيقي لأبيهم ، وكان يعذرنا ويصبر علينا.
ومرَّت الأيام ؛ وكنت أشعر بحزن كبير تجاه عائلتي ، ورغم أن الجرح لا يزال في قلوبنا ؛ لكننا بدأنا نعتاد على الفجوة التي خلَّفها غياب الوالد المستمر عن البيت وحزن الوالدة الدائم، فقد كانت تحس دائماً أنها مظلومة مع والدي .
لقد تصورنا أول الأمر بأننا قد فقدناه للأبد، وهنا أريد أن أسجل حقيقة مع الأسف لا يعرفها كثيرٌ من الناس ؟ وهي أنَّه مهما حصل ومهما ابتعد الأب ومهما حدث بينه وبين أولاده ؛ فإنَّه دائماً محتاج لمحبة أولاده وصلتهم بغض النظر عن الماديات.
وذات يوم جاءنا الوالد إلى البيت وأصرَّ على أخذنا أنا وإخوتي معه في زيارةٍ عنده الى بيته الجديد للتعرف على زوجته.
كان لقاء جامداً بيننا في أول الأمر رغم أنَّ زوجة الوالد حاولت التودد والتقرب إلينا وأعطتنا هدايا كثيرة. قال لنا الوالد إنَّ (حنان) هي التي أحضرت لكم هذه الهدايا بنفسها وقال لي كنتُ مشتاقاً جداً لهذا اللقاء يا ابنتي ، وكنت أشعر أنكم حانقون علي بشدة وأعرف أنكم تقولون لماذا يتركنا أبونا ويرحل إلى زوجة ثانية ولكن أنت تعرفين كم قاسيتُ طوال حياتي مع أُمكِ وأنت متعلمة وطبعا تفهمين، فأرجوا أن تسامحيني ، رغم أني لم أفعل غير الصواب .
وفي يوم صارحت أبي ؛ قلت له وأنا أبكي بحرقة: كنت أعلم أني أحبك ولا أود أن أبتعد عنك هكذا ، وكنت اعلم بأني مقصرة بحقك ولكن لم أكن أستطيع أن أُغيِّر شيئا يا أبي ، وتمنيت لو أفتح عيني يوما فأجد نفسي قد استيقظت من حلمٍ مزعج، وتعود إلينا يا أبي كما كنت من قبل ؛ فنحن نحبك ونعرف أنك تحبنا. قال لي أراكِ تغيرتِ كثيرا فما سبب هذا التغيّر؟ قلتُ له قبل أيام قلائل سمعتُ خطبة من أحد المشايخ يوم الجمعة ؛ كانت خطبة رائعة عن برِّ الوالدين ؛ لقد هزني كلامه من الأعماق وأيقظني من سبات عميق ، وفجأة أحسست بأني حقيرة وصغيرة جداً وأتفه من أي مخلوق على الأرض .
والله يا أبي كنت أخاطب نفسي حين ابتعدنا عنك وأقول : يا الله !! أيعقل ما قمتُ به بحقك من نكران وجحود ؟ لا لسبب غير أنه لم يُكتب لكما أنت وأمي أن تعيشا معاً ، أنقرر مقاطعتك ونسيان كل أفضالك علينا لمجرد انسحابك من حياة أمي ؛ هل يعقل أن أشنّ عليك تلك الحرب الظالمة ؟ ثمَّ أخذتُ ألوم نفسي وأسألها وأحاسبها إنه لم يسئ إلينا بأي شكل و لم يقصِّر في حقوقنا ولا في تربيتنا ولم يبخل علينا يوماً بأي شيء نحتاجه ، حتى بعد أن تركنا بل إنه دائما يحاول أن يتقرب إلينا و يرانا ويصرُّ أن يأخذنا لزيارته بينما نحن نرفض !! هل هذا عدل؟ ؛ يا الله كم أنا غبية ومتعجرفة !! فهل يعقل أن نجافي من كان السبب في وجودنا في هذه الحياة، وهو من سهر الليالي وربَّىَ وسهر على راحتنا حين كنا نمرض وهو من حرص على رعايتنا في الصغر وعلى مدى حياتنا ..
كنت أقول لنفسي يا أبي أبعد كل هذه الأفضال ولمجرد كونه اضطر لأسباب قاهرة أن ينفصل عن أمنا نقاطعه ونبتعد عنه هكذا ونتركه وحده ، وكنت أشارك أخوتي معي في هذا التفكير وعلى قدر فهمهم وكنا دائما نفكر في إيجاد حلٍ لمشكلتنا ، وبدأنا يا أبي نعيد حساباتنا ونفكر من جديد , وشعرنا بحنين كبير إليك وخفنا أن يقبضك الله قبل أن ترضى عنا. نعم نحن نعرف انك لا تزال متضايقاً بما واجهناك به من جفاء ونكران ؛ ولكننا متأكدون بانَّ قلبك الكبير لا يمكن أن يغضب علينا ، فنرجوك يا أبي أن تعفو عنا وعما بدر منا أنا وإخوتي ..
وبعد أن أفصحنا للوالد عن شعورنا واعتذارنا تغيَّرت أشياء كثيرة في حياتنا، ولم نعد نشعر بذلك الذنب والحزن وتأنيب الضمير الذي كاد يخنقنا وأصبحت حياتنا أكثر إشراقاً وراحة ، وأصبحنا نحرص على بَّره وصلته ونحاول إرضاءه بكل الوسائل .
وأنجبت زوجة أبي طفلاً ؛ شعرنا للوهلة الأوُلى بشيء من الغيرة لأنها أنجبت ولداً من غير أمنا، ولكن مع الوقت شعرنا بارتياح جميل ؛ خاصة عندما أخذنا والدي عنده الى البيت ، وكانت زوجة الوالد طيبة جداً جزاها الله خيراً ، وذلك حينما جاءت بأخي الجديد ووضعته في أحضاننا أنا وإخوتي ففرحنا كثيرا وقبلناه مرارا .
وانتهزت الفرصة ثانية لأعتذر من الوالد ؛ قلتُ له: أنا آسفة أرجوك سامحني عما بدر مني سابقا فمن المفترض اني الوحيدة التي أتفهم وضعك ، فقال ماذا هناك يا حبيبتي هل حصل شيء ؟ فقلتُ أبي أنا أحبك أقسم بالله أني أحبك .
وانقطع صوتي لأني لم أعد أعرف ماذا أقول له ، وشهقت بالبكاء فصمت قليلاً ثم قال وأنا أيضاً أحبكم يا ابنتي العزيزة ؛ وأعرف تماماً لماذا كنتم تتصرفون معي هكذا وأعرف أن الأمر كان شديدا عليكم ، ولكن هذا قدر الله علينا وهذه مشيئته ولا اعتراض على حكمه .
يا ابنتي أنا والد ولا أستطيع أن أبتعد عنكم أبدا وأنا أحبكم وسأظل أحبكم، ثقي بذلك ، قلتُ هل أنت راض عني إذاً ؟ قال نعم يا ابنتي العزيزة بارك الله فيكم فأنا راضٍ عنكم وحتى عن أمُّكم التي كانت السبب فيما حصل لنا ، نسأل الله تعالى أن يسامحنا ، ويسامحها ويهدينا جميعاً سواء السبيل ..
4- الزوجة الصابرة
روى سفيان الثوري ( رحمه الله ) في تفسير ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود )
قال : الذين يصلون بالليل فإذا أصبحوا رؤيَّ ذلك في وجوههم .. وبيانه قول المصطفى
( عليه الصلاة والسلام ) : (من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار) رواه مسلم وغيره في الصحاح .
كنت أراها كثيراً ، وذلك من خلال اجتماعي بولده ( محمد ) قريني الذي كنت ألعبُ معه ونحن صغار فكنت أدخل عندهم البيت واخرج كأني واحد منهم.
كانت في الثلاثين من عمرها ؛ امرأةٌ صابرةً على كل شيء في حياتها ، صابرة على الفقر وعلى حظها العاثر فقد ابتُليت بزوجٍ قاسٍ فظٌ في معاملتها ومعاملة الأولاد ، فقد كان يقسو عليهم أشد القسوة. كان رجلا فقيرا ، ولكنه متكبر حانق على كل شيء ، يثور لأتفه الأسباب!! فكان يضرب الأولاد ويضربها .
ورغم قسوته وفظاظته ، لم تخرج عن طاعته يوماً ، ولا تبرمت في يوم من الأيام على قدرها بل صبرت واحتسبت رغم قسوة الأيام وقسوة هذا الزوج وقسوة الفقر ، وكانت تنظر لأولادها الصغار ، وتقول إنَّ احتسابي على الله بأولادي؛ ولعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يهديَهُ يوما ،
كانت متعلمة وهي قوامةٌ لله تصلي فروضها ، وتصوم رمضان ولم يفتها من عبادتها شيءٌ في يوم ومنذ كانت صغيرة ، كان أهلها يقولون لها اُتركي هذا الزوج العاطل دائماً فإنه ليس زوجا فتقول لهم انه زوجي وأبو أولادي ولن اتركه ما دمتُ على قيد الحياة، و كانت تدعو له بدعاء علمها إياه أحد المشايخ تقول فيه:
( اللهم أصلح زوجي . وثبِّته على الإيمان اللهم واجعله رجلا مؤمنا صادقا صدوقا كريما جوادا اللهم وزده حبا لنا وصراحة معنا ، وتعلقا بنا ، وتفاهما معنا ، اللهـــــــــــم وأطل في عمره على طاعتك) فكانت دائمة على هذا الدعاء تردده عقب كل صلاة من صلواتها .
وكان عليها أن تحتمل كل شيء وكانت تستبشر دائماً بكلام الله سبحانه وتعالى وتردد الآيات الكريمات من سورة الطلاق
( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ويرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) سورة الطلاق الآية 3
وقد هيئَ الله لهذه العائلة واحداً من رجال الخير والصلاح ، الذين لم يرزقهم الله الولد ، فكان يساعدهم ويعطيهم ما يحتاجونه عن طريق ( أخيها )....
وفوق تعنت الزوج ، والفقر وحظها العاثر فقد ابتُليت بمرض خبيث في بطنها!!
كانت تتألم من شدة المرض تارة ؛ وتارة أخرى تتألم من شدة ظلم زوجها وقسوة الأيام عليه.
كان الزوج لا يأبه لكل هذا ؛ ولا ينظر لهذه العائلة بعين الرحمة ، كان كثير البطالة ، يقبع دائماً في مقهى حيِّهم الشعبي القديم ، ويأتي بالليل يطلب منها عشاءه ، ولا يعلم من أين تأتي بقوتهم اليومي ؛ وجاء اليوم الذي لم يستطع ذلك الجسد تحمل ما قاسى من آلام وبؤس ومرض فأتتها سكرات الموت وأخذت تتلوى من الآلام ، وتنظر إلى أولادها الصغار والدموع تنهمر من عيونها بغزارة ، وأخذت تدعو الله قالت: اللهم ملك الملوك ؛ أنت أرحم الراحمين ؛ تولى أطفالي برحمتك لأنهم ليس لهم سندٌ ولا معين إلا أنت ربي وربهم ، اللهم وحنن قلوب الناس عليهم يا ذا العرش العظيم ، اللهم وحنن أباهم عليهم وأصلحه ، واهده إلى طرق الخير والصلاح ، واجعله من الصالحين ، اللهم وارزقه أسباب التوبة إليك.
فأخذت إحدى بناتها ( المصحف الشريف ) وقرأت عند رأسها سورة ياسين وآيات أُخر من كتاب الله ، وبعد فترة من الغيبوبة أفاقت ، فإذا هي توصي الأولاد بأبيهم خيرا وترشدهم إلى طاعته !!
يا الله أساء إليها فتحسن إليه . ظلمها فصبرت ، وتدعي له عند موتها بكل خير ..
توصي الأولاد بأبيهم خيراً .
ثم توجه بصرها إلى السماء وهي على فراشها.. فتشير بالسبابة توحيداً لربها ناطقة بالشهادتين؛ وما هي إلا لحظات وإذ بالعرق البارد يتصببُّ من جبينها ؛ ثمَّ اسلمت الروح لبارئها ؛ هكذا ماتت المرأة الصابرة التقية ، ماتت والعرق ينحدر على جبينها ..
ماتت وقد ظفرت بدعوة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .. فإنها ماتت بداء بطنها ، لينطبق عليها حديث الرسول الكريم الذي رواه الأمام مسلم ، والأمام أحمد (من مات بداء بطنه فهو شهيد)..
هنيئا لها هذه الخاتمة السعيدة ، هنيئا لها بصبرها واحتسابها على الله ، هنيئا لها بعفوها الذي أوصلها إلى هذه الخاتمة التي يتمناها الصابرون الأتقياء ؛ فالسعداء هم الذين يختم الله له بأعمال السعداء ، فالأتقياء يموتون وعلامات الخير تتنزل بهم ، يُودّعون الدنيا وهم فرحون بما آتاهم الله من فضله.. يٌبشرون بالنعيم المقيم في دار الكرامة والرضوان .. جزاءً لهم بما كانوا يعملون ، جزاءً لهم بما كانوا صبروا..
(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون ).
وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات ، كنت قد ذهبت إلى مدينة اخرى لغرض الدراسة عند بعض المشايخ ورجعتُ إلى مدينتي وكان أول المهنئين لي محمد ابن ( الصابرة ) ، وبعد السلام والكلام سألته عن أحواله وأحوال إخوته وأخواته ؟؟ قال بخير والحمد لله ، قلت وأبيك كيف هو ؟ قال لقد تغيرت أحواله فالآن من البيت إلى الجامع ، ومن الجامع إلى البيت ، وقد تعلم القرآن فإنك إن تراه لن تعرفه !! يا سبحان الله ؟؟ أبوك استقام ويقرا القرآن !!! قال نعم. قلتُ في نفسي يا سبحان الله لقد كان الرجل في حياة زوجته المسكينة يتخبط بالسوء والظلم والتعدي ؛ بالوقت الذي كانت هي بأشد الحاجة إليه وعندما ماتت ، يستقيم ويهتدي !!! لا شك إنها إرادة الله سبحانه وتعالى فإنه فعالٌ لما يريد.
اللهم إنَّا نسألك من فظلك وبرحمتك الواسعة ...
قال : الذين يصلون بالليل فإذا أصبحوا رؤيَّ ذلك في وجوههم .. وبيانه قول المصطفى
( عليه الصلاة والسلام ) : (من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار) رواه مسلم وغيره في الصحاح .
كنت أراها كثيراً ، وذلك من خلال اجتماعي بولده ( محمد ) قريني الذي كنت ألعبُ معه ونحن صغار فكنت أدخل عندهم البيت واخرج كأني واحد منهم.
كانت في الثلاثين من عمرها ؛ امرأةٌ صابرةً على كل شيء في حياتها ، صابرة على الفقر وعلى حظها العاثر فقد ابتُليت بزوجٍ قاسٍ فظٌ في معاملتها ومعاملة الأولاد ، فقد كان يقسو عليهم أشد القسوة. كان رجلا فقيرا ، ولكنه متكبر حانق على كل شيء ، يثور لأتفه الأسباب!! فكان يضرب الأولاد ويضربها .
ورغم قسوته وفظاظته ، لم تخرج عن طاعته يوماً ، ولا تبرمت في يوم من الأيام على قدرها بل صبرت واحتسبت رغم قسوة الأيام وقسوة هذا الزوج وقسوة الفقر ، وكانت تنظر لأولادها الصغار ، وتقول إنَّ احتسابي على الله بأولادي؛ ولعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يهديَهُ يوما ،
كانت متعلمة وهي قوامةٌ لله تصلي فروضها ، وتصوم رمضان ولم يفتها من عبادتها شيءٌ في يوم ومنذ كانت صغيرة ، كان أهلها يقولون لها اُتركي هذا الزوج العاطل دائماً فإنه ليس زوجا فتقول لهم انه زوجي وأبو أولادي ولن اتركه ما دمتُ على قيد الحياة، و كانت تدعو له بدعاء علمها إياه أحد المشايخ تقول فيه:
( اللهم أصلح زوجي . وثبِّته على الإيمان اللهم واجعله رجلا مؤمنا صادقا صدوقا كريما جوادا اللهم وزده حبا لنا وصراحة معنا ، وتعلقا بنا ، وتفاهما معنا ، اللهـــــــــــم وأطل في عمره على طاعتك) فكانت دائمة على هذا الدعاء تردده عقب كل صلاة من صلواتها .
وكان عليها أن تحتمل كل شيء وكانت تستبشر دائماً بكلام الله سبحانه وتعالى وتردد الآيات الكريمات من سورة الطلاق
( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ويرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) سورة الطلاق الآية 3
وقد هيئَ الله لهذه العائلة واحداً من رجال الخير والصلاح ، الذين لم يرزقهم الله الولد ، فكان يساعدهم ويعطيهم ما يحتاجونه عن طريق ( أخيها )....
وفوق تعنت الزوج ، والفقر وحظها العاثر فقد ابتُليت بمرض خبيث في بطنها!!
كانت تتألم من شدة المرض تارة ؛ وتارة أخرى تتألم من شدة ظلم زوجها وقسوة الأيام عليه.
كان الزوج لا يأبه لكل هذا ؛ ولا ينظر لهذه العائلة بعين الرحمة ، كان كثير البطالة ، يقبع دائماً في مقهى حيِّهم الشعبي القديم ، ويأتي بالليل يطلب منها عشاءه ، ولا يعلم من أين تأتي بقوتهم اليومي ؛ وجاء اليوم الذي لم يستطع ذلك الجسد تحمل ما قاسى من آلام وبؤس ومرض فأتتها سكرات الموت وأخذت تتلوى من الآلام ، وتنظر إلى أولادها الصغار والدموع تنهمر من عيونها بغزارة ، وأخذت تدعو الله قالت: اللهم ملك الملوك ؛ أنت أرحم الراحمين ؛ تولى أطفالي برحمتك لأنهم ليس لهم سندٌ ولا معين إلا أنت ربي وربهم ، اللهم وحنن قلوب الناس عليهم يا ذا العرش العظيم ، اللهم وحنن أباهم عليهم وأصلحه ، واهده إلى طرق الخير والصلاح ، واجعله من الصالحين ، اللهم وارزقه أسباب التوبة إليك.
فأخذت إحدى بناتها ( المصحف الشريف ) وقرأت عند رأسها سورة ياسين وآيات أُخر من كتاب الله ، وبعد فترة من الغيبوبة أفاقت ، فإذا هي توصي الأولاد بأبيهم خيرا وترشدهم إلى طاعته !!
يا الله أساء إليها فتحسن إليه . ظلمها فصبرت ، وتدعي له عند موتها بكل خير ..
توصي الأولاد بأبيهم خيراً .
ثم توجه بصرها إلى السماء وهي على فراشها.. فتشير بالسبابة توحيداً لربها ناطقة بالشهادتين؛ وما هي إلا لحظات وإذ بالعرق البارد يتصببُّ من جبينها ؛ ثمَّ اسلمت الروح لبارئها ؛ هكذا ماتت المرأة الصابرة التقية ، ماتت والعرق ينحدر على جبينها ..
ماتت وقد ظفرت بدعوة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .. فإنها ماتت بداء بطنها ، لينطبق عليها حديث الرسول الكريم الذي رواه الأمام مسلم ، والأمام أحمد (من مات بداء بطنه فهو شهيد)..
هنيئا لها هذه الخاتمة السعيدة ، هنيئا لها بصبرها واحتسابها على الله ، هنيئا لها بعفوها الذي أوصلها إلى هذه الخاتمة التي يتمناها الصابرون الأتقياء ؛ فالسعداء هم الذين يختم الله له بأعمال السعداء ، فالأتقياء يموتون وعلامات الخير تتنزل بهم ، يُودّعون الدنيا وهم فرحون بما آتاهم الله من فضله.. يٌبشرون بالنعيم المقيم في دار الكرامة والرضوان .. جزاءً لهم بما كانوا يعملون ، جزاءً لهم بما كانوا صبروا..
(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون ).
وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات ، كنت قد ذهبت إلى مدينة اخرى لغرض الدراسة عند بعض المشايخ ورجعتُ إلى مدينتي وكان أول المهنئين لي محمد ابن ( الصابرة ) ، وبعد السلام والكلام سألته عن أحواله وأحوال إخوته وأخواته ؟؟ قال بخير والحمد لله ، قلت وأبيك كيف هو ؟ قال لقد تغيرت أحواله فالآن من البيت إلى الجامع ، ومن الجامع إلى البيت ، وقد تعلم القرآن فإنك إن تراه لن تعرفه !! يا سبحان الله ؟؟ أبوك استقام ويقرا القرآن !!! قال نعم. قلتُ في نفسي يا سبحان الله لقد كان الرجل في حياة زوجته المسكينة يتخبط بالسوء والظلم والتعدي ؛ بالوقت الذي كانت هي بأشد الحاجة إليه وعندما ماتت ، يستقيم ويهتدي !!! لا شك إنها إرادة الله سبحانه وتعالى فإنه فعالٌ لما يريد.
اللهم إنَّا نسألك من فظلك وبرحمتك الواسعة ...
5- القاتل
كانت عائلة من العائلات الثرية تسكن الريف . كان الأب يعمل في الزراعة وله أراضٍ زراعية كثيرة ، بالإضافة إلى بعض الأملاك التي يملكها في المدينة . تتكون هذه العائلة من عشرة أفراد ؛ الأب والأم ، وإبنين ، وستة أحفاد. الابن الكبير كان عقيماً
ولعدم استطاعة الابن الكبير من الأنجاب ، فقد تزوج من امرأةٍ ثانية وثالثة ،
ولكن لم يكتب له أن يرزقه الله بالولد ليحمل اسمه من بعده فأصبح على ممر الأيام غير مبالٍ لحياته ولا يهتم لما يحدث داخل العائلة ولا يلتزم بأي عمل ، بل أخذ يتهاوى في السكر والعربدة وما إلى ذلك من المنكرات .
أما الابن الأصغر للعائلة ؛ فقد كان عاقلا ملتزماً فهو المساعد لوالده في كل من أعمال الزراعة ومتطلبات البيت الأخرى ، كان صالحا في كل شيء، صالحا بعلاقاته مع الناس ومع ربه فقد كان مصليا منذ صغره يؤدي فرائض ربه .
كما كان محبوبا من الجميع و مطيعا لوالديه اللََذينِ كانا يحبانه ويحبان أولاده حباً عظيما .
فكان ذلك مما اثار حسد أخيه الكبير وتعاظم غله داخل نفسه وبالتالي أصبحت علاقة الابن الكبير مع أهله ومع أخيه الصغير سيئة جدا .
كانت العائلة تشعر بسوء أخلاق الابن الكبير واستهتاره مع الناس وعدم التزامه بمسئولياته المترتبة عليه .
لكنهم كانوا دائما يجدون له المبررات ويعطفون عليه وذلك لحالته النفسية المريضة المتأتية من كونه كليلاً ( الكليل ألذي لا ينجب الأولاد )
وعلى ممر الأيام أخذ يزداد بعداً عن أخيه وتزداد كراهيته له.
و كان الأخ الصغير على العكس منه تماماً فهو يحب أخاه حبا شديدا ، وكان دائماً يقول له يا أخي إنَّ أولادي هم أولادك ، فلا تهتم ولا تحزن .
ولكن كان الشيطان يلعب بعقل الابن الكبير ويغويه بقتل أخيه وكان أصدقاء السوء لهم تأثير مباشر بذلك فهم الذين يحرضونه على فعل كلِّ شرّ .
وفي يوم كان الأخ الصغير معتادا أن يذهب لصيد الطيور في أرضٍ مهجورة كانت لهم بعيدة عن القرى ، وصادف أن الأخ الكبير قد دعاه أصدقائه في المدينة لحضور حفلة عرس ، فخرج من القرية يريد الذهاب إلى المدينة وقد أخبر زوجته أنه سوف يبقى في المدينة لمدة ثلاث أو أربعة أيام .
وخرج يريد الذهاب وعلى مسافة قليلة من خروجه من القرية ؛ أنعطف بسيارته إلى الطريق المؤدية للأرض التي ذهب إليها أخيه للصيد وبعد قليل رأى أخاه من بعيد وهو يصطاد فأوقف سيارته عند بئرٍ قديم مهجور في تلك المنطقة ، ورآه أخوه الصغير من بعيد فجاء إليه فرحا وحياه وجلسا هناك ، أخذ الصغير يعدّ الطعام ليأكلا معا .
كان الكبير في نزاع مع شيطانه الذي ما برح يغويه ويأمره بقتل أخيه ، وحانت له فرصة عندما كان أخوه مكبوباً ينفخ لإشعال النار ، فأخرج خنجره وطعنه في وسط ظهره فنفذ الخنجر إلى قلب أخيه فمات في الحال ، سحب الجثة وألقاها في ذلك البئر المهجور ، وغسل يديه من دم أخيه وأزال آثار جريمته وركب سيارته مسرعاً وغادر المكان متوجها إلى المدينة .
جاء المساء ولم يرجع من الصيد وطال انتظار العائلة فدبَّ القلق في نفوسهم فقال الأب: لعله يبيت الليلة هناك وغداً يعود .
بات الأب والعائلة تلك الليلة بانتظار الصباح وفي اليوم الثاني انتظروا إلى ما بعد الظهر؛ فلم يعد الابن فذهب الأب ومعه بعض الأهل للبحث عنه دون جدوى ونُفِّرت القرية للبحث ذلك ألنها ر إلى الليل فلم يعثروا عليه .
وفي اليوم التالي ، أرسلوا بطلب الأخ الكبير من المدينة وأبلغوه بفقد أخيه ، فبكى بحرقة على أخيه ، وكان بكائه حقيقيا ، لأنه أحسَّ بفظاعة جريمته النكراء ، واقترح على أبيه تبليغ الشرطة ؛ وفعلاً بلغوا شرطة المنطقة وبعد جهد جهيد عثروا على الجثة ملقاة في البئر ، وبعد التحقيقات والتحري في محاولةٍ معرفة القاتل سجلت القضية ضدَّ مجهول .
وبعد سنة من تلك الفاجعة ، توفيَ الأب حزنا على ابنه المقتول .
وبعد موت الأب أخذ الولد القاتل بزمام أمور ألعائلة ، وأصبح هو المسؤول عن أمورهم ، بدأ بإكمال مخططه الذي بدأه بقتل أخيه ، فراح يفكر بالزواج من زوجة أخيه المقتول ، وذلك لضمِّ أولاد أخيه إليه ، فرفضت أن تتزوجه ، حاول بكل جهده واستعان بكل الأقارب ؛ زاعما أنَّ أولاد أخيه يجب أن يكونوا تحت رعايته ، ووصايته ، وأخيرا استطاع أن يقنع الجميع ويتزوجها ، وأصبح هو الآمر الناهي في الأسرة واستقام له الأمر .
على ممر الأيام تغير كل شيء في حياة تلك الأسرة أحسَّ القاتل بطعم الحياة مع زوجته الجديدة وأولاد أخيه الذين ملئوا عليه حياته ، أخذ يفعل كل ما يسعد زوجته ويسعد الأولاد ، وأخذ يحاول فعل الخير للناس لأنَّه أراد التكفير عن جريمته وعما سلف منه ؛ فواظب على الصلاة والصوم ، ولكن هيهات لأنها توبةٌ ليست لله ؛ بل للمحافظة على ما بيده من مال وجاه .
لو كانت التوبة لوجه الله لهيئ الله له أسبابها .
ولأنَّ شروط التوبة أولاً ألإقلاع عن المعصية بنية صادقة – ثانيا ؛ الاعتراف بالجريمة ، فإنه لم يستطع الاعتراف بالجريمة فعلى الأقل أن يؤدي ما سلب وما نهب وما سرق إلى أصحابه
لو كان يريد أن يتوب إلى الله توبة نصوحا لوجد الله غفورا رحيما ولكنه كان أجبن من أن يقرَّ بجريمته الشنيعة أمام الزوجة والأولاد .
ومرَّت السنين وكلما خلا بنفسه رى أمامه أخاه ينظر أليه وهو يبكي ، وتداعى مريضا في الفراش ؛ فأصبح دائم البكاء ولا يخرج من غرفته إلا قليلا ، ولاحظ عليه ذلك الزوجة والأولاد ، كانت الزوجة دائما تقول له أنت تحمل هما كبيرا وسرا عميقا فما هو يا ترى ؟ .
وفي يوم طلب الأولاد والزوجة في غرفته فدخلوا عليه وهو يبكي. نظر إلى الجميع وقال لهم أرجو منكم السماح فأنا الآن على فراش الموت عما قريب وسوف أقابل ربي .
فقال له أحد الأولاد والله يا عمي أريد أن أسألك سؤالا ؟ قال ما هو يا بن أخي ؟ فقال الولد إني كنت دائما أتساءل مع نفسي لماذا طوال عمرك لم تقل لي ولإخوتي يا أولادي !!
وأنت يا عمي الذي ربيتنا وعشنا معك أكثر مما عشنا مع والدنا فنظر إلى الولد وانهمرت الدموع من عينيه ثمَّ انهارت أعصابه وأخذ يصيح بدون أن يشعر - أنا - أنا الذي قتلته واعترف أخيرا القاتل بجريمته في تلك الغيبوبة وهو لا يشعر .
خرج الأولاد من عنده وهم لا يعرفون ماذا حدث لعمهم ، وبعدها خرجت الزوجة وهي تبكي بحرقة ومرارة ، سألها الأولاد ما جرى لعمنا ؟ قالت سوف أحدثكم اليوم مساءا إن شاء الله.
ولم يستطع أن يردَّ على بن أخيه الذي قتل أباه بيده ولكنه قال لنفسه والله لا أستطيع أن أناديكم أولادي لأني أخاف أن يفتضح أمري .
قال لهم فقط ارجوا منكم أن تسامحوني أنتم وأمكم فقالت له الزوجة نسأل الله أن يسامحنا جميعا .
خرج الأولاد من عند عمهم وهم لا يفقهون شيئا مما سمعوا ورأوا ، وبعد ساعة خرجت أمهم وهي تبكي بمرارة وحرقة ، فسألوها ما الذي كان يقوله عمنا ولماذا يقول أنا ؟ قالت الأم في المساء إن شاء الله تعرفون كل شيء .
وفي المساء حضر جَدّ الأولاد أبو أمهم فقد أرسلت إليه مع بعض أعمام الأولاد من العشيرة وأخبرتهم بحقيقة قاتل أخيه . فقال جد الأولاد لقد عاقبه الله في الدنيا قبل الآخرة ولا حولَ ولا قوة إلا بالله ..
ولعدم استطاعة الابن الكبير من الأنجاب ، فقد تزوج من امرأةٍ ثانية وثالثة ،
ولكن لم يكتب له أن يرزقه الله بالولد ليحمل اسمه من بعده فأصبح على ممر الأيام غير مبالٍ لحياته ولا يهتم لما يحدث داخل العائلة ولا يلتزم بأي عمل ، بل أخذ يتهاوى في السكر والعربدة وما إلى ذلك من المنكرات .
أما الابن الأصغر للعائلة ؛ فقد كان عاقلا ملتزماً فهو المساعد لوالده في كل من أعمال الزراعة ومتطلبات البيت الأخرى ، كان صالحا في كل شيء، صالحا بعلاقاته مع الناس ومع ربه فقد كان مصليا منذ صغره يؤدي فرائض ربه .
كما كان محبوبا من الجميع و مطيعا لوالديه اللََذينِ كانا يحبانه ويحبان أولاده حباً عظيما .
فكان ذلك مما اثار حسد أخيه الكبير وتعاظم غله داخل نفسه وبالتالي أصبحت علاقة الابن الكبير مع أهله ومع أخيه الصغير سيئة جدا .
كانت العائلة تشعر بسوء أخلاق الابن الكبير واستهتاره مع الناس وعدم التزامه بمسئولياته المترتبة عليه .
لكنهم كانوا دائما يجدون له المبررات ويعطفون عليه وذلك لحالته النفسية المريضة المتأتية من كونه كليلاً ( الكليل ألذي لا ينجب الأولاد )
وعلى ممر الأيام أخذ يزداد بعداً عن أخيه وتزداد كراهيته له.
و كان الأخ الصغير على العكس منه تماماً فهو يحب أخاه حبا شديدا ، وكان دائماً يقول له يا أخي إنَّ أولادي هم أولادك ، فلا تهتم ولا تحزن .
ولكن كان الشيطان يلعب بعقل الابن الكبير ويغويه بقتل أخيه وكان أصدقاء السوء لهم تأثير مباشر بذلك فهم الذين يحرضونه على فعل كلِّ شرّ .
وفي يوم كان الأخ الصغير معتادا أن يذهب لصيد الطيور في أرضٍ مهجورة كانت لهم بعيدة عن القرى ، وصادف أن الأخ الكبير قد دعاه أصدقائه في المدينة لحضور حفلة عرس ، فخرج من القرية يريد الذهاب إلى المدينة وقد أخبر زوجته أنه سوف يبقى في المدينة لمدة ثلاث أو أربعة أيام .
وخرج يريد الذهاب وعلى مسافة قليلة من خروجه من القرية ؛ أنعطف بسيارته إلى الطريق المؤدية للأرض التي ذهب إليها أخيه للصيد وبعد قليل رأى أخاه من بعيد وهو يصطاد فأوقف سيارته عند بئرٍ قديم مهجور في تلك المنطقة ، ورآه أخوه الصغير من بعيد فجاء إليه فرحا وحياه وجلسا هناك ، أخذ الصغير يعدّ الطعام ليأكلا معا .
كان الكبير في نزاع مع شيطانه الذي ما برح يغويه ويأمره بقتل أخيه ، وحانت له فرصة عندما كان أخوه مكبوباً ينفخ لإشعال النار ، فأخرج خنجره وطعنه في وسط ظهره فنفذ الخنجر إلى قلب أخيه فمات في الحال ، سحب الجثة وألقاها في ذلك البئر المهجور ، وغسل يديه من دم أخيه وأزال آثار جريمته وركب سيارته مسرعاً وغادر المكان متوجها إلى المدينة .
جاء المساء ولم يرجع من الصيد وطال انتظار العائلة فدبَّ القلق في نفوسهم فقال الأب: لعله يبيت الليلة هناك وغداً يعود .
بات الأب والعائلة تلك الليلة بانتظار الصباح وفي اليوم الثاني انتظروا إلى ما بعد الظهر؛ فلم يعد الابن فذهب الأب ومعه بعض الأهل للبحث عنه دون جدوى ونُفِّرت القرية للبحث ذلك ألنها ر إلى الليل فلم يعثروا عليه .
وفي اليوم التالي ، أرسلوا بطلب الأخ الكبير من المدينة وأبلغوه بفقد أخيه ، فبكى بحرقة على أخيه ، وكان بكائه حقيقيا ، لأنه أحسَّ بفظاعة جريمته النكراء ، واقترح على أبيه تبليغ الشرطة ؛ وفعلاً بلغوا شرطة المنطقة وبعد جهد جهيد عثروا على الجثة ملقاة في البئر ، وبعد التحقيقات والتحري في محاولةٍ معرفة القاتل سجلت القضية ضدَّ مجهول .
وبعد سنة من تلك الفاجعة ، توفيَ الأب حزنا على ابنه المقتول .
وبعد موت الأب أخذ الولد القاتل بزمام أمور ألعائلة ، وأصبح هو المسؤول عن أمورهم ، بدأ بإكمال مخططه الذي بدأه بقتل أخيه ، فراح يفكر بالزواج من زوجة أخيه المقتول ، وذلك لضمِّ أولاد أخيه إليه ، فرفضت أن تتزوجه ، حاول بكل جهده واستعان بكل الأقارب ؛ زاعما أنَّ أولاد أخيه يجب أن يكونوا تحت رعايته ، ووصايته ، وأخيرا استطاع أن يقنع الجميع ويتزوجها ، وأصبح هو الآمر الناهي في الأسرة واستقام له الأمر .
على ممر الأيام تغير كل شيء في حياة تلك الأسرة أحسَّ القاتل بطعم الحياة مع زوجته الجديدة وأولاد أخيه الذين ملئوا عليه حياته ، أخذ يفعل كل ما يسعد زوجته ويسعد الأولاد ، وأخذ يحاول فعل الخير للناس لأنَّه أراد التكفير عن جريمته وعما سلف منه ؛ فواظب على الصلاة والصوم ، ولكن هيهات لأنها توبةٌ ليست لله ؛ بل للمحافظة على ما بيده من مال وجاه .
لو كانت التوبة لوجه الله لهيئ الله له أسبابها .
ولأنَّ شروط التوبة أولاً ألإقلاع عن المعصية بنية صادقة – ثانيا ؛ الاعتراف بالجريمة ، فإنه لم يستطع الاعتراف بالجريمة فعلى الأقل أن يؤدي ما سلب وما نهب وما سرق إلى أصحابه
لو كان يريد أن يتوب إلى الله توبة نصوحا لوجد الله غفورا رحيما ولكنه كان أجبن من أن يقرَّ بجريمته الشنيعة أمام الزوجة والأولاد .
ومرَّت السنين وكلما خلا بنفسه رى أمامه أخاه ينظر أليه وهو يبكي ، وتداعى مريضا في الفراش ؛ فأصبح دائم البكاء ولا يخرج من غرفته إلا قليلا ، ولاحظ عليه ذلك الزوجة والأولاد ، كانت الزوجة دائما تقول له أنت تحمل هما كبيرا وسرا عميقا فما هو يا ترى ؟ .
وفي يوم طلب الأولاد والزوجة في غرفته فدخلوا عليه وهو يبكي. نظر إلى الجميع وقال لهم أرجو منكم السماح فأنا الآن على فراش الموت عما قريب وسوف أقابل ربي .
فقال له أحد الأولاد والله يا عمي أريد أن أسألك سؤالا ؟ قال ما هو يا بن أخي ؟ فقال الولد إني كنت دائما أتساءل مع نفسي لماذا طوال عمرك لم تقل لي ولإخوتي يا أولادي !!
وأنت يا عمي الذي ربيتنا وعشنا معك أكثر مما عشنا مع والدنا فنظر إلى الولد وانهمرت الدموع من عينيه ثمَّ انهارت أعصابه وأخذ يصيح بدون أن يشعر - أنا - أنا الذي قتلته واعترف أخيرا القاتل بجريمته في تلك الغيبوبة وهو لا يشعر .
خرج الأولاد من عنده وهم لا يعرفون ماذا حدث لعمهم ، وبعدها خرجت الزوجة وهي تبكي بحرقة ومرارة ، سألها الأولاد ما جرى لعمنا ؟ قالت سوف أحدثكم اليوم مساءا إن شاء الله.
ولم يستطع أن يردَّ على بن أخيه الذي قتل أباه بيده ولكنه قال لنفسه والله لا أستطيع أن أناديكم أولادي لأني أخاف أن يفتضح أمري .
قال لهم فقط ارجوا منكم أن تسامحوني أنتم وأمكم فقالت له الزوجة نسأل الله أن يسامحنا جميعا .
خرج الأولاد من عند عمهم وهم لا يفقهون شيئا مما سمعوا ورأوا ، وبعد ساعة خرجت أمهم وهي تبكي بمرارة وحرقة ، فسألوها ما الذي كان يقوله عمنا ولماذا يقول أنا ؟ قالت الأم في المساء إن شاء الله تعرفون كل شيء .
وفي المساء حضر جَدّ الأولاد أبو أمهم فقد أرسلت إليه مع بعض أعمام الأولاد من العشيرة وأخبرتهم بحقيقة قاتل أخيه . فقال جد الأولاد لقد عاقبه الله في الدنيا قبل الآخرة ولا حولَ ولا قوة إلا بالله ..
6- لعدم التكافؤ
جاء مهاجراً من مدينة مدينة بعيدة، جاء على أثر ظلمٍ وقع عليه من إخوته ومن أقرب الناس إليه ، وذلك عندما مات والده وترك ثروة كبيرة؛ فقد تزوج والده الزواج الثاني من امرأة تصغره بثلاثين سنة ؛ وكان هو من الزوجة الثانية الصغيرة ، بينما اخوته من الزوجة الكبرى وهم تسعة ذكور.
كان هؤلاء الاُخوة لا يحبونه ولا يعترفون به ، لأنهم يعتبرونه ابن الزوجة التي دخلت على حياة اُمهم قسرا ، وقد أفرحهم جدا موت هذه الزوجة التي وافاها الاجل عند ولادته ، فعاش الطفل يتيما بين إخوته غير الاشقاء ، فلما مات الاب طردوه من بينهم شرِّ طرده ، فلجأ الى أحد أصدقاء والده الذي كان يرعاه من بعيد فطلب منه الرجل أن يبقى مع أولاده معززا مكرما فاعتذر منه وقال له لم يبق لي في هذه البلدة معيشة لذلك عزمتُ على الرحيل ، فنصحه الرجل ان يتوجه الى مدينة أخرى فشدَّ الرحال الى هناك ؛ تاركا ورائه كل آلامه وأحزانه.
أخذ يبحث له عن عمل ، وبعد مدة وجيزة حصل على عمل مناسب له وأثبت كفاءة وجدارة ومقدرة في عمله ، وسارت به الحياة ونسي الأخوة الذين ظلموه والتصق بالمجتمع الجديد ، ونسي آلامه وأخذ يداوي جراحاته .
كان هادئا وقورا حليما متسامحا فأحبه الجميع وأصبح له صداقات وعلاقات كثيرة ، والتقى يوما بشاب تشكلت بينهم صداقة متينة لدرجة أنهما أصبحا لا يفترقان عن بعضهما فكان دائما يزور صديقه الشاب في بيته ، وكانت عائلة الشاب تتكون من ثلاث شباب وثلاثة شابات أما الأب والأم فمتوفيان وكانت عائلة فقيرة جدا ، ورغم هذا كانوا يحرصون على ابقاء البنات الثلاثة في المدراس . كان الأخ الكبير يعمل مصلح سيارات والثاني يعمل في احد دوائر الدولة ، وهما الذين يعيلان العائلة.
كانت البنت الوسطى تحلم ان تكون مدرسة وهي التي طلبها صاحبنا للزواج من اخوتها فوافقوا على تزويجه إياها بشرط ان تكمل دراستها فوافق على ذلك وتزوجا فكان للعائلة كالأب المنقذ وأخذ يقدم لهم كل ما يطلبون ، وهي تفرغت لدراستها وكان لها الزوج والاب وكل شيء ؛ هو الذي يعمل حتى الاعمال البيتية ويطبخ ويغسل وعند الصباح ياخذها لمكان دراستها ثمَّ يعود ظهرا ليرجعها للبيت ، ورزقهم الله بطفلهم الاول ثمَّ الثاني ثمَّ الثالث والرابع ، ثمَّ أنهت الدراسة وأصبحت مدرسة كما كانت تتمنى.
وانتقل مجتمعنا في هذه الفترة من حال الى حال ، وأصبح لدينا هيئآت ونقابات واتحادات وهذه المؤسسات من المفروض ان تدافع عن حقوق الفرد وترفع عنه الظلم. وحقيقة هي كذلك ، ولكن في بعض الاحيان تكون هذه المؤسسات وكأنها ملك لبعض العاملين والقائمين عليها ، فتضيع رسالتها التي جاءت من أجلها ، ومع الاسف هذا ما حدث لصاحبنا مع إحدى هذه الاتحادات التي تبنت في وقتها قضية زوجة جاحدة أقامت دعوة على زوجها بالتفريق بحجة عدم التكافؤ وكل هذا بدون علم الزوج المسكين المنشغل بعمله وحياته البسيطة .
كنا جالسين في احد الايام عنده لما دخل مبلغ من المحكمة يسال عنه فقال انا هو فقال له انت مطلوب امام المحكمة ، فقال له لماذا مطلوب ؟ فقال المبلغ زوجتك اشتكت عليك ! فنظر الينا والى المبلغ باستغراب ودهشة وهو لا يعلم ماذا يقول ، استلم التبليغ بوجوم وأخذ العرق يتصبب منه ثمَّ وقع على الارض.
صببنا على وجهه الماء فأفاق ، قلنا له ما الأمر ولماذ اشتكت عليك ؟ فقال متحيِّراً والله لا أدري ولم يكن بيني وبينها زعل أو شيء ، ثمَّ ذهب الى البيت فقال لها هل صحيح انك اشتكيت علي ؟ فنظرت اليه وقالت نعم. قال لماذا وما السبب؟ هل قصَّرتُ بحقك هل بدر مني شيء ؟ قالت لا فقط أنا وانت لم نعد مناسبين لبعضنا ، قال كيف ؟ قالت الآن وضعي ومسؤوليتي أصبحت حساسة ولا تتلائم مع وضعك !!
في هذ اللحظة تذكر تغيرها مؤخراً تجاهه وعادت به ذاكرته الى اليوم الذي طرده إخوته من بيت أبيه لما تنكروا له ، واليوم هذه الجاحدة تكرر نفس المأساة به ؛ وانهمرت الدموع من عينيه وأخذ يبكي كما يبكي الاطفال ، خرج من البيت يجر آلامهِ وأحزانه .
ذهب الى أخيها الأكبر الذي أصبح صاحب أكبر محلات تصليح السيارات وغيرها من المحلات ، وهو الذي كان مصروف جيبه سابقا من صاحبنا أكثر الأحيان، فقال له والله انا الذي شجعتُ اُختي على هذا الأمر. قال له ولماذا؟ ما الذي حدث؟ !! فقال أخوها المحترم يا أخي كل السبب منك ؛ فقال له وكيف السبب مني ؟ فقال لأنك بقيت كما أنت ولم تطور نفسك وحياتك فأصبح الفارق بينكما كبير والآن هي مديرة مدرسة وأنت عامل لا أكثر ولا أقل !!
خرج من عنده وذهب الى الاخ الثاني الذي أصبح مشرفاً في التربية والتعليم ، فكان كلامه نفس كلام أخيه ، ثمَّ جمع أولاده الاربعة وأخبرهم بما فعلت اُمهم ، وخيَّرهم بالمعيشة معه أو مع اُمهم ؛ فاختاوا اُمهم وذلك لأنها كانت دائماً تغريهم وتدللهم ، فقال لهم سوف أبقى بإنتظاركم ، فمتى ترون أنكم بحاجة لأبيكم فسوف تروني حريصا على جمعكم عندي ، وتذكروا بأنه ليس لي أحد غيركم .
وجاء يوم المرافعة في المحكمة ؛ وحضرنا كلنا معه وكانت هذه المرافعة تعني حدثاً هاماً لكثير ممن حضر من شخصيات الإتحاد الذي تبنى قضية الزوجة ( المديرة المحترمة ) فقد تطوعت أربع محاميات للدفاع عن الزوجة .
نادي القاضي باسمه وبعد ان عرَّف اسمه وعمله قال له القاضي أتعرف لماذا اشتكت عليك زوجتك ؟ قال نعم سيدي القاضي ، قال القاضي فاعلم أنها تطلب الطلاق منك ؛ فهل وكَّلتَ محامي يدافع عنك ؟ قال لا ؛ قال له هل تحمل شهادة من مدرسة أو كلية ؟ قال لا فقال أتحب أن تقول شيئاً للمحكمة ؟
قال سيدي القاضي أنا لم أدخل المدارس ؛ ولكني خريج متواضع من هذه الحياة ؛ وأقول أمام جنابك بأنَّي لن اُطلقها إذا لم تجبرني الشريعة المتمثلة بجنابك على ذلك وإني أرفض طلاقها أولا لانها دعوة باطلة ، وثانيا ليس لأني أُريدها أن تبقى زوجة لي ، ولكني لا اُريد أن تشيع هذه الظاهرة بيننا نحن المسلمين ، وثالثا لا يشرفني أن تحمل هذه المرأة أسمي بعد الآن ، ورابعا اُريد أن تكون عبرة لغيرها من ناكرات الجميل .
نظر القاضي الى المحاميات الاربع اللاتي يدافعن عنها وقال لهن ماذا تقلن ؟ فانبرين كل واحدة منهن بإلقاء دفاعها محاولة كسب الدعوة لصالح الزوجة ، ولكن القاضي لم يقتنع بالحجج الواردة وحكم لصالح الزوج بردَّ الدعوة .
بعد هذه الاحداث بقى الرجل أكثر من سنة عاطلا عن عمله لا يخرج من البيت الا نادرا ، وكنا نزوره ونواسيه على فترات متباعدة ، وفي يوم رجع الى عمله من جديد ورأينا أنه قد تخطى محنته ، جلستُ معه اُلاطفه قلت اراك الان بخير ان شاء الله ؟ قال نعم أنا بخير والحمد لله ، قلتُ كيف تعيش الان وليس لديك احد ؟ قال أولا معي الله وثانيا الله اكرمني وارجع الي اولادي وابشرك بشرى جميلة. قلت ما هي ؟ قال لقد وهبني الله زوجة جديدة ، قلت مبارك لك والله افرحتني ، قال لقد سعى لي أحد الاخوة في هذا الزواج وكنت اول الامر مترددا ولكن لا يصحُّ أن أبقى هكذا وخاصة بعد ان عاد الي اولادي ، قلت حقا يا اخي وكيف عادوا اليك بعد ان اختاروا اُمهم ؟
قال ( إنَّ ربك لبالمرصاد ) يا اخي لو تعلم ما فعل الله بالذين ظلموني فسوف تعجب ؟ قلت وكيف ؟ قال أنت تعلم عندما ولدت زوجتي ابني الرابع في عملية قيصرية وحينها أصابها مرض خبيث لم نكن ندري به وقد استفحل عليها هذا المرض بعد طلاقي لها والأن هي بين الحياة والموت ، قلت له أذكر انك لم تطلقها في المحكمة ؛ قال نعم ولكني بعد المحكمة بعام لم اقبل على نفسي ان ابقي امراة على ذمتي وهي لا تريدني فذهبت اليها وطلقتها وبعد مدة قصيرة ، عرف اولادي خطأ امهم وخطأهم تجاهي وكان لأولاد الحلال نصيبٌ في ذلك حيث أرشدوهم الى طريق الصواب وخوفوهم عقوق الوالد ، فرجعوا الي والحمد لله ، وعاد صاحبنا الى مرحه وعاش حياته الجديدة بسعادة هو واولاده .
وبعد اربع سنوات قال لي : لقد علمت ان المديرة توفيت بذلك المرض وقال لقد عاقب الله هذه العائلة الجاحدة ، أتدري بأنَّ أخاها الاكبر قد أصابه العمى! والاخ الثاني المشرف التربوي انقلبت به السيارة وهو عائدٌ من العاصمة مع إحدى من الساقطات التي كانت عشيقته فمات، ثمَّ قال: اللهم لا شماتة فأنت المنتقم العادل.
كان هؤلاء الاُخوة لا يحبونه ولا يعترفون به ، لأنهم يعتبرونه ابن الزوجة التي دخلت على حياة اُمهم قسرا ، وقد أفرحهم جدا موت هذه الزوجة التي وافاها الاجل عند ولادته ، فعاش الطفل يتيما بين إخوته غير الاشقاء ، فلما مات الاب طردوه من بينهم شرِّ طرده ، فلجأ الى أحد أصدقاء والده الذي كان يرعاه من بعيد فطلب منه الرجل أن يبقى مع أولاده معززا مكرما فاعتذر منه وقال له لم يبق لي في هذه البلدة معيشة لذلك عزمتُ على الرحيل ، فنصحه الرجل ان يتوجه الى مدينة أخرى فشدَّ الرحال الى هناك ؛ تاركا ورائه كل آلامه وأحزانه.
أخذ يبحث له عن عمل ، وبعد مدة وجيزة حصل على عمل مناسب له وأثبت كفاءة وجدارة ومقدرة في عمله ، وسارت به الحياة ونسي الأخوة الذين ظلموه والتصق بالمجتمع الجديد ، ونسي آلامه وأخذ يداوي جراحاته .
كان هادئا وقورا حليما متسامحا فأحبه الجميع وأصبح له صداقات وعلاقات كثيرة ، والتقى يوما بشاب تشكلت بينهم صداقة متينة لدرجة أنهما أصبحا لا يفترقان عن بعضهما فكان دائما يزور صديقه الشاب في بيته ، وكانت عائلة الشاب تتكون من ثلاث شباب وثلاثة شابات أما الأب والأم فمتوفيان وكانت عائلة فقيرة جدا ، ورغم هذا كانوا يحرصون على ابقاء البنات الثلاثة في المدراس . كان الأخ الكبير يعمل مصلح سيارات والثاني يعمل في احد دوائر الدولة ، وهما الذين يعيلان العائلة.
كانت البنت الوسطى تحلم ان تكون مدرسة وهي التي طلبها صاحبنا للزواج من اخوتها فوافقوا على تزويجه إياها بشرط ان تكمل دراستها فوافق على ذلك وتزوجا فكان للعائلة كالأب المنقذ وأخذ يقدم لهم كل ما يطلبون ، وهي تفرغت لدراستها وكان لها الزوج والاب وكل شيء ؛ هو الذي يعمل حتى الاعمال البيتية ويطبخ ويغسل وعند الصباح ياخذها لمكان دراستها ثمَّ يعود ظهرا ليرجعها للبيت ، ورزقهم الله بطفلهم الاول ثمَّ الثاني ثمَّ الثالث والرابع ، ثمَّ أنهت الدراسة وأصبحت مدرسة كما كانت تتمنى.
وانتقل مجتمعنا في هذه الفترة من حال الى حال ، وأصبح لدينا هيئآت ونقابات واتحادات وهذه المؤسسات من المفروض ان تدافع عن حقوق الفرد وترفع عنه الظلم. وحقيقة هي كذلك ، ولكن في بعض الاحيان تكون هذه المؤسسات وكأنها ملك لبعض العاملين والقائمين عليها ، فتضيع رسالتها التي جاءت من أجلها ، ومع الاسف هذا ما حدث لصاحبنا مع إحدى هذه الاتحادات التي تبنت في وقتها قضية زوجة جاحدة أقامت دعوة على زوجها بالتفريق بحجة عدم التكافؤ وكل هذا بدون علم الزوج المسكين المنشغل بعمله وحياته البسيطة .
كنا جالسين في احد الايام عنده لما دخل مبلغ من المحكمة يسال عنه فقال انا هو فقال له انت مطلوب امام المحكمة ، فقال له لماذا مطلوب ؟ فقال المبلغ زوجتك اشتكت عليك ! فنظر الينا والى المبلغ باستغراب ودهشة وهو لا يعلم ماذا يقول ، استلم التبليغ بوجوم وأخذ العرق يتصبب منه ثمَّ وقع على الارض.
صببنا على وجهه الماء فأفاق ، قلنا له ما الأمر ولماذ اشتكت عليك ؟ فقال متحيِّراً والله لا أدري ولم يكن بيني وبينها زعل أو شيء ، ثمَّ ذهب الى البيت فقال لها هل صحيح انك اشتكيت علي ؟ فنظرت اليه وقالت نعم. قال لماذا وما السبب؟ هل قصَّرتُ بحقك هل بدر مني شيء ؟ قالت لا فقط أنا وانت لم نعد مناسبين لبعضنا ، قال كيف ؟ قالت الآن وضعي ومسؤوليتي أصبحت حساسة ولا تتلائم مع وضعك !!
في هذ اللحظة تذكر تغيرها مؤخراً تجاهه وعادت به ذاكرته الى اليوم الذي طرده إخوته من بيت أبيه لما تنكروا له ، واليوم هذه الجاحدة تكرر نفس المأساة به ؛ وانهمرت الدموع من عينيه وأخذ يبكي كما يبكي الاطفال ، خرج من البيت يجر آلامهِ وأحزانه .
ذهب الى أخيها الأكبر الذي أصبح صاحب أكبر محلات تصليح السيارات وغيرها من المحلات ، وهو الذي كان مصروف جيبه سابقا من صاحبنا أكثر الأحيان، فقال له والله انا الذي شجعتُ اُختي على هذا الأمر. قال له ولماذا؟ ما الذي حدث؟ !! فقال أخوها المحترم يا أخي كل السبب منك ؛ فقال له وكيف السبب مني ؟ فقال لأنك بقيت كما أنت ولم تطور نفسك وحياتك فأصبح الفارق بينكما كبير والآن هي مديرة مدرسة وأنت عامل لا أكثر ولا أقل !!
خرج من عنده وذهب الى الاخ الثاني الذي أصبح مشرفاً في التربية والتعليم ، فكان كلامه نفس كلام أخيه ، ثمَّ جمع أولاده الاربعة وأخبرهم بما فعلت اُمهم ، وخيَّرهم بالمعيشة معه أو مع اُمهم ؛ فاختاوا اُمهم وذلك لأنها كانت دائماً تغريهم وتدللهم ، فقال لهم سوف أبقى بإنتظاركم ، فمتى ترون أنكم بحاجة لأبيكم فسوف تروني حريصا على جمعكم عندي ، وتذكروا بأنه ليس لي أحد غيركم .
وجاء يوم المرافعة في المحكمة ؛ وحضرنا كلنا معه وكانت هذه المرافعة تعني حدثاً هاماً لكثير ممن حضر من شخصيات الإتحاد الذي تبنى قضية الزوجة ( المديرة المحترمة ) فقد تطوعت أربع محاميات للدفاع عن الزوجة .
نادي القاضي باسمه وبعد ان عرَّف اسمه وعمله قال له القاضي أتعرف لماذا اشتكت عليك زوجتك ؟ قال نعم سيدي القاضي ، قال القاضي فاعلم أنها تطلب الطلاق منك ؛ فهل وكَّلتَ محامي يدافع عنك ؟ قال لا ؛ قال له هل تحمل شهادة من مدرسة أو كلية ؟ قال لا فقال أتحب أن تقول شيئاً للمحكمة ؟
قال سيدي القاضي أنا لم أدخل المدارس ؛ ولكني خريج متواضع من هذه الحياة ؛ وأقول أمام جنابك بأنَّي لن اُطلقها إذا لم تجبرني الشريعة المتمثلة بجنابك على ذلك وإني أرفض طلاقها أولا لانها دعوة باطلة ، وثانيا ليس لأني أُريدها أن تبقى زوجة لي ، ولكني لا اُريد أن تشيع هذه الظاهرة بيننا نحن المسلمين ، وثالثا لا يشرفني أن تحمل هذه المرأة أسمي بعد الآن ، ورابعا اُريد أن تكون عبرة لغيرها من ناكرات الجميل .
نظر القاضي الى المحاميات الاربع اللاتي يدافعن عنها وقال لهن ماذا تقلن ؟ فانبرين كل واحدة منهن بإلقاء دفاعها محاولة كسب الدعوة لصالح الزوجة ، ولكن القاضي لم يقتنع بالحجج الواردة وحكم لصالح الزوج بردَّ الدعوة .
بعد هذه الاحداث بقى الرجل أكثر من سنة عاطلا عن عمله لا يخرج من البيت الا نادرا ، وكنا نزوره ونواسيه على فترات متباعدة ، وفي يوم رجع الى عمله من جديد ورأينا أنه قد تخطى محنته ، جلستُ معه اُلاطفه قلت اراك الان بخير ان شاء الله ؟ قال نعم أنا بخير والحمد لله ، قلتُ كيف تعيش الان وليس لديك احد ؟ قال أولا معي الله وثانيا الله اكرمني وارجع الي اولادي وابشرك بشرى جميلة. قلت ما هي ؟ قال لقد وهبني الله زوجة جديدة ، قلت مبارك لك والله افرحتني ، قال لقد سعى لي أحد الاخوة في هذا الزواج وكنت اول الامر مترددا ولكن لا يصحُّ أن أبقى هكذا وخاصة بعد ان عاد الي اولادي ، قلت حقا يا اخي وكيف عادوا اليك بعد ان اختاروا اُمهم ؟
قال ( إنَّ ربك لبالمرصاد ) يا اخي لو تعلم ما فعل الله بالذين ظلموني فسوف تعجب ؟ قلت وكيف ؟ قال أنت تعلم عندما ولدت زوجتي ابني الرابع في عملية قيصرية وحينها أصابها مرض خبيث لم نكن ندري به وقد استفحل عليها هذا المرض بعد طلاقي لها والأن هي بين الحياة والموت ، قلت له أذكر انك لم تطلقها في المحكمة ؛ قال نعم ولكني بعد المحكمة بعام لم اقبل على نفسي ان ابقي امراة على ذمتي وهي لا تريدني فذهبت اليها وطلقتها وبعد مدة قصيرة ، عرف اولادي خطأ امهم وخطأهم تجاهي وكان لأولاد الحلال نصيبٌ في ذلك حيث أرشدوهم الى طريق الصواب وخوفوهم عقوق الوالد ، فرجعوا الي والحمد لله ، وعاد صاحبنا الى مرحه وعاش حياته الجديدة بسعادة هو واولاده .
وبعد اربع سنوات قال لي : لقد علمت ان المديرة توفيت بذلك المرض وقال لقد عاقب الله هذه العائلة الجاحدة ، أتدري بأنَّ أخاها الاكبر قد أصابه العمى! والاخ الثاني المشرف التربوي انقلبت به السيارة وهو عائدٌ من العاصمة مع إحدى من الساقطات التي كانت عشيقته فمات، ثمَّ قال: اللهم لا شماتة فأنت المنتقم العادل.
رد: مجموعة مميزة من قصص الشيخ صباح محمد حيدر العدواني
هذا موقع الشيخ الفاضل على الفيس بوك لكني لست متأكدا انه الموقع الرسمي له
https://www.facebook.com/shaykhsabah.udwani
https://www.facebook.com/shaykhsabah.udwani
مواضيع مماثلة
» سيرة الشيخ محمد بن عثمان الرضواني
» مجموعة احباب الشيخ فيضي الفيضي على فيس بوك
» فيديو نادر لفضيلة الشيخ العلامة مفتي الموصل الحدباء الشيخ محمد ياسين رحمه الله
» نعي الشيخ محمد رضوان الحديدي
» كلمة الشيخ محمد الصفار في ملتقى محبة النبي في جامع بركة الرحمن
» مجموعة احباب الشيخ فيضي الفيضي على فيس بوك
» فيديو نادر لفضيلة الشيخ العلامة مفتي الموصل الحدباء الشيخ محمد ياسين رحمه الله
» نعي الشيخ محمد رضوان الحديدي
» كلمة الشيخ محمد الصفار في ملتقى محبة النبي في جامع بركة الرحمن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى