ندوة العرف وأثره في الفتوى - داود صالح السبعاوي
صفحة 1 من اصل 1
ندوة العرف وأثره في الفتوى - داود صالح السبعاوي
بحضور الاستاذ ابو بكر كنعان مدير الوقف السني في نينوى اقامت شعبة الارشاد الاسلامي دورة (العرف واثره في الفتوى ) يوم الاربعاء 12/4/2012 حاضر فيها الشيخ الدكتور داود صالح عبد الله. تناولت الدورة موضوع العرف وتغير الاعراف وتغير الفتوى حسب ذلك التغير وحسب الزمان والمكان حضر الدورة اكثر من 50 اماما وخطيبا وفي نهاية الدورة جرت مناقشة بين الشيخ والمتدربين في حول موضوع الدورة وقدم مدير الوقف السني نينوى هدية الى الشيخ الدكتور داود صالح تقديرا لجهوده المبذولة في إنجاح الدورة و طالب المشاركين في الدورة شعبة الارشاد بتكرار مثل هذه الدورات لما لها من فائدة عظمى للائمة والخطباء
للإستماع (قرابة ساعتين):
التحميل:
---------------------------------------------------------------------------
التفريغ النصي:
مقدمة:
الحمد لله الذي جعل للعلم قدرا ورفع أهله على الورى ذكرى، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي رفع لواء العلم ليستظل به أهل النهى، وبعد :
فإن أحكام الشريعة منها ما هو ثابت على مر العصور والدهور لا يتأثر بالمتغيرات التي تطرأ على المجتمعات ، ومنها ما هو متأثر بالأحوال التي تتغير على الناس كقوة الأمة وضعفها وكذلك التراتيب الإدارية التي تتأثر بها معاملات الناس والتطورات الصناعية وحال إيمان الناس قوة وضعفا .
ولما كانت الأحكام التابعة لحالة تتغير بتغيرها فإن أحكاما كثيرة بنيت على أحوال معينة فهي تتغير بتغير تلك الأحوال ، وهذا ما صرح به فقهاؤنا .
ففي رسائل ابن عابدين في جواب سؤال هو إذا خالف العرف ظاهر الرواية قال : إعلم أن المسائل الفقهية إما أن تكون ثابتة بصريح النص وهي الفصل الأول ، وإما أن تكون ثابتة بضرب اجتهادي ورأي ، وكثير منها ما يبنيه المجتهد على ما كان في عرف زمانه بحيث لو كان في زمان العرف الحادث لقال بخلاف ما قاله أولا ، وقال في مكان آخر: (نظرا لتغير الأعراف بتغير الأزمان فان الأحكام المبنية على العرف تتغير أيضاً)
وذكر ابن عابدين مسائل كثيرة مبناها على العوائد ثم قال : فهذا كله وأمثاله دلائل واضحة على أن المفتي ليس له الجمود على المنقول في كتب ظاهر الرواية من غير مراعاة الزمان وأهله وإلا يضيع حقوقا كثيرة ويكون ضرره أعظم من نفعه . ( )
بناء على ما تقدم فإن بعض الأحكام الاجتهادية جاءت بناء على أعراف وأحوال معينة ، فإذا تغيرت تلك الأعراف والأحوال فينبغي النظر في هذه الأحكام نظرا جديدا قد يؤدي إلى أحكام جديدة .
والقول بتغير الأحكام تبعاً للعوائد والأعراف ليس في الحقيقة تغيرا في دين الله، وإنما هو تطبيق لروح النص الذي في الحقيقة قالب للمعنى.
يقول الشاطبي: (إن اختلاف الأحكام عند اختلاف العوائد ليس في الحقيقة باختلاف في أصل الخطاب، وإنما معنى الاختلاف أن العوائد إذا اختلفت رجعت كل عادة إلى أصل شرعي يحكم به عليها)( )
ثم قال: (والعرف الخاص معتبر وإن خالف المنصوص عليه في كتب المذهب).( )
وقد بين الإمام مالك وتبعه في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية( )أن الشريعة الإسلامية تراعي أحوال الناس وتنشئ لهم أحكاما قد يكون للواقع تأثير فيها، سواء الواقع الشخصي أو الواقع العام، وأنها لا تتعامل مع ضعيف الإيمان كما تتعامل مع قويه؛ لأنها جاءت لتعالج أمر الناس لا أن تعاقبهم فهي لا تلاحق المجرمين لإيقاع العقوبة بهم بقدر ما تضع لهم حلولا لإخراجهم مما هم فيه من أحوال.
يقول الإمام مالك رحمه الله: (تحدث للناس القضية بقدر ما أحدثوا من فجور) قال الزرقاني: ومراده أن يحدثوا أموراً تقتضي أصول الشريعة فيها غير ما اقتضته قبل حدوث ذلك الأمر.( )
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (والمؤمن ينبغي له أن يعرف الشرور الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة، فيفرق بين أحكام الأمور الواقعة الكائنة والتي يراد إيقاعها في الكتاب والسنة، ليقدم ما هو أكثر خيرا وأقل شرا على ما هو غيره، ويدفع أعظم الشرين باحتمال أدناهما، ويجتلب أعظم الخيرين بفوات أدناهما، فإن من لم يعرف الواقع في الخلق والواجب في الدين لم يعرف أحكام الله في عباده، وإذا لم يعرف ذلك كان قوله وعمله بجهل، ومن عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح)
وقد ذكر هذه الحقيقة الطاهر بن عاشور وبين أن عدم الأخذ بهذا المبدأ يؤدي إلى مخالفة فروع الشريعة لكلياتها ؛ لان كليات الشريعة تبين الإرادة في إقرار الأحكام، وهذا يظهر من قوله تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)( ) يقول ابن عاشور: (بقاء الأحكام مع تغير موجبها لا يخلو من أن يكون إقرارا لنقيض مقصود الشارع ، ويؤدي ذلك إلى أن تكون الأحكام مقصودة لذاتها لا تابعة لموجبها)( ) .
وقد ذكر صاحب كتاب معين الحكام: أنه إذا أدى اختلاف الأحوال إلى تغير بعض الأحكام أو إثبات أحكام لا تشهد لها قواعد الشرع بالإلغاء, وفيها مصلحة فقط, ولا يشترط شهادة قواعد الشرع لها بالاعتبار، فإنه يجوز العمل بها, وان لم يتقدمها نظير في الشرع يشهد باعتبارها، كما وقع لسيدنا الصديق رضي الله عنه في توليته عهد الخلافة لعمر رضي الله عنه، وكترك الخلافة شورى بين ستة، وكتدوين الدواوين، وضرب السكة، واتخاذ السجون، وغير ذلك كثير مما دعا سنّه تغير الأحوال والأزمان، ولم يتقدم فيه أمر من الشرع وليس له نظير يلحق به، ولوحظ فيه جهة مصلحة( ).
والحقيقة أن الأحكام الشرعية التي تتبدل بتبدل الزمان مهما تغيرت باختلاف الزمن، فإن المبدأ الشرعي فيها واحد، وهو إحقاق الحق، وجلب المصالح ودرء المفاسد، وليس تبدل الأحكام إلا تبدل الوسائل والأساليب الموصلة إلى غاية الشارع، فإن تلك الوسائل والأساليب في الغالب لم تحددها الشريعة الإسلامية، بل تركتها مطلقة لكي يختار منها في كل زمان ما هو أصلح في التنظيم نتاجا، وانجح في التقويم علاجا( ).
والقول بتغير الأحكام تبعاً للعوائد والأعراف ليس في الحقيقة تغيرا في دين الله، وإنما هو تطبيق لروح النص الذي في الحقيقة قالب للمعنى.
وقد ظن البعض أن مثل هذه الفتاوى التي جاءت للمصلحة والسياسة الجزئية التي ساسوا بها الأمة، شرائع كلية أبدية، ومن هنا أتيت الشريعة عندما وضع ما هو متغير مكان ما هو ثابت.
يقول ابن القيم: (... إن هذا وأمثاله سياسة جزئية بحسب المصلحة يختلف باختلاف الأزمنة، فظنها من ظنها شرائع عامة لازمة للأمة إلى يوم القيامة، ولكل عذر واجر، ومن اجتهد في طاعة الله ورسوله فهو دائر بين الأجر والأجرين، وهذه السياسة التي ساسوا بها الأمة هي من تأويل القران والسنة، ولكن هل هي من الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة، أم من السياسات الجزئية للمصالح فقيد بها زمانا ومكانا؟ ( )
ويقول ابن القيم في موضع آخر: (والسياسة موضع مزلة أقدام ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك ومعترك صعب، فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرؤا أهل الفجور على الفساد وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها، إلى أن قال: (والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة الشريعة، وتقصير في معرفة الواقع وتنزيل أحدهما على الآخر، فلما رأى ولاة الأمور ذلك وأن الناس لا يستقيم لهم أمرهم إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة، أحدثوا من أوضاع سياستهم شرا طويلا وفسادا عريضا، فتفاقم الأمر وتعذر استدراكه، وعز على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك واستنقاذه من تلك المهالك، وأفرطت طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة، فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله، وكلتا الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله، وأنزل به كتبه)( ).
يقول أبو يوسف رحمه الله: (يصار إلى العرف الطارئ بعد النص بناء على أن تغير العادة يستلزم تغير النص)( ).
فإذا كان العرف الطارئ يصار إليه بعد النص، آلا يصار إلى العرف بعد ما تقرر في المذهب أن كان مبنيا على العرف ؟
وقد يلوح في بادئ الرأي أن هناك تعارضا بين الحكم الجديد والقديم في بعض المواضع، والواقع عدمه؛ ذلك أنه قد يكون الحكم القديم منوطا بعلة مفردة ثم يظهر العرف إنتهاء هذه العلة في ذلك الحكم، فإذا نظرنا إليه من حيث لفظه وحرفيته ظهر أنه متعارض مع الجديد، وإذا نظرنا إليه من حيث مقصوده وأنه معلول بعلة أظهر العرف انتهاءها في أفرادها، ظهر أنه لا تعارض، وهذا كما قال الحنفية في جواز بيع الوفاء بعد أن كان ممنوعا عندهم، وكبيع النعل مع شرط التشريك كذلك؛ لأن الثابت بالعرف قاض على القياس ( ).
لكن الأعراف والعادات ليست على شكل واحد، فمنها ما هو حسن ومنها ما هو قبيح، فما كان منها حسنا ويحقق مقاصد التشريع هو ما نعنيه في التأثير على الأحكام، أما ما هو غير ذلك فلا تأثير له على الأحكام.
وتخصيص متن المختار بالتطبيقات فلما اشتمل عليه من أحكام مبنية على أحوال يطرأ عليها التغيير.
وسينحصر موضوع البحث في حكم فتاوى المتقدمين الواردة بناء على مراعاة أحوال الناس وأعرافهم على تبدل تلك الأحوال التي جاءت تلك الفتاوى لعلاجها.
أما سبب اختياري لهذا الموضوع لأبين لطالب العلم أن ليس كل ما يقرأه ويحفظه من متون العلم يصلح للإفتاء في زمننا؛ وذلك لأن تأليف تلك المتون كان في عصر هو غير عصرنا والأحكام الاجتهادية تتأثر بالواقع الذي تمر به الأمة .
وستكون هذه الدراسة في تمهيد و مبحثين وخاتمة.
ففي التمهيد عرفت المتن ومصطلح الدينية والثوابت والمتغيرات ومعنى الدراسة التحليلية وبينت موقف ابن خلدون من المختصرات وعرفت بمتن المختار والشروح عليه وطبعاته، وفي المبحث الأول تناولت التأصيل الشرعي لتغير الأحكام بتغير الأعراف والأحوال, وفي المبحث الثاني مطلبان، في الطلب الأول ذكرت مسائل منتقاة من متن المختار وعددها سبع مسائل بينت أن صاحب المتن قال بها بناء على عرف زمانه وهي مما ينبغي أن يقال فيها قول أخر في زماننا، وفي المطلب الثاني ذكرت ست مسائل من كتاب الإختيار شرح متن المختار قد بناها الشارح على عرف زمانه وهي مما ينبغي أن يقال فيه قول آخر في زماننا .
--------------------------------------------
تمهيد
تعريف المتن لغة :
متن الشيء بالضم متانة اشتد و قوي فهو متين والمتن من الأرض ما صلب وارتفع( ).
المتن من كل شيء ما صلب ظهره( ).
والمَتِينُ من كل شيء القويُّ وقد مَتُنَ مَتانةً وقال الله عز وجل: ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )( ) القراءة بالرفع المَتينُ صفة لقوله ذو القوة وهو الله، ومعنى ذو القوة المتين ذو الاقتدار الشديد والْمَتينُ في صفة الله تعالى القَوِيُّ( ).
وقيل: (الميم والتاء والنون أصل صحيح واحد يدل على صلابة في الشيء مع امتداد وطول منه المتن ما صلب من الأرض وارتفع وانقاد والجمع)( ).
فالمتن:هو تأليف صلب في العلوم يهدف إلى اختصار في عبارة تحوي معاني كثيرة.
والمتن في الإصطلاح: قال في المدخل الفقهي العام:"يعمد فيها المتأخرون إلى وضع مختصرات يجمعون فيه أبواب العلم كلها في ألفاظ ضيقة يتبارون فيها بالإيجاز وتكاد كل كلمة أو جملة تشير إلى بحث واسع أو مسألة تفصيلية، ويسمى هذا المختصر متنا( ).
تعريف الثابت: الثابت لغة: ثبت الشيء يثبت ثبوتا دام واستقر فهو ثابت وبه سمي وأثبت فلانا لازمه فلا يكاد يفارقه مختار( ).
تعريف المتغيرات: المتغير لغة: غير الغير بوزن العنب الاسم من قولك غيرت الشيء فتغير، وتغايرت الأشياء اختلفت وغير بمعنى سوى والجمع أغيار( ).
قال الجرجاني: التغير هو انتقال الشيء من حالة إلى حالة أخرى( ).
تعريف الدين: الدين لغة: والدين الطاعة تقول دان له يدين دينا أي أطاعه ومنه الدين والجمع الأديان ويقال دان بكذا ديانة فهو دين و تدين به فهو متدين و دينه تديينا وكله إلى دينه( ).
موقف ابن خلدون من التأليف على طريقة المتون :
يرى ابن خلدون أن تأليف العلوم بأسلوب المتون أدى إلى جعل العلوم ألغازاً تحتاج من طالب العلم إلى وقت طويل لحل العبارة وفهمها بسبب الاختصار الشديد لإدراج المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة.
قال ابن خلدون في الفصل السادس والثلاثين تحت عنوان في أن كثرة الاختصارات الموضوعة في العلوم مخلة بالتعليم:
ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق والأنحاء في العلوم، يولعون بها ويدونون منها برنامجاً مختصراً في كل علم يشتمل على حصر مسائله وأدلتها، باختصار في الألفاظ وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن. فصار ذلك مخلاً بالبلاغة وعسيراً على الفهم. وربما عمدوا إلى الكتب الأمهات المطولة في الفنون للتفسير والبيان، فاختصروها تقريباً للحفظ، كما فعله ابن الحاجب في الفقه وأصول الفقه وابن مالك في العربية والخونجي في المنطق وأمثالهم، وهو فساد في التعليم وفيه إخلال بالتحصيل، وذلك لأن فيه تخليطاً على المبتدىء بإلقاء الغايات من العلم عليه، وهو لم يستعد لقبولها بعد، وهو من سوء التعليم كما سيأتي، ثم فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم بتزاحم المعاني عليها وصعوبة استخراج المسائل من بينها، لأن ألفاظ المختصرات نجدها لأجل ذلك صعبة عويصة، فينقطع في فهمها حظ صالح من الوقت ثم بعد ذلك كله فالملكة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات، إذا تم على سداده، ولم تعقبه آفة، فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل من الموضوعات البسيطة المطولة لكثرة ما يقع في تلك من التكرار والإحالة المفيدين لحصول الملكة التامة، وإذا اقتصر على التكرار قصرت الملكة لقلته كشأن هذه الموضوعات المختصرة فقصدوا إلى تسهيل الحفظ على المتعلمين، فأركبوهم صعباً يقطعهم عن تحصيل الملكات النافعة وتمكنها. " ومن يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له " ، والله عز وجل أعلم( ).
تعريف بمتن المختار ومؤلفه وشروحه وطبعاته
متن المختار للفتوى:
تأليف الشيخ مجد الدين أبي الفضل عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي المتوفي سنة (683هـ) رحمه الله تعالى.
ألفه في عنفوان شبابه، ثم صنف شرحاً له وسماه: " الاختيار " كما ذكر ذلك في مقدمة شرحه.
طبعاته:
قال في الجواهر المضيئة:" ومن تصانيفه المختار للفتوى ، وكتاب الاختيار لتعليل المختار "، وقال اللكنوي في الفوائد البهية:" وقد طالعت المختار والاختيار، وهما كتابان معتبران عند الفقهاء".
طبعاته:
1 ـ نشرته مكتبة الجامعة الأزهرية في القاهرة سنة (1372هـ) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله تعالى.
2 ـ في مطبعة محمد علي صبيح سنة (1380هـ) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله تعالى.
3 ـ نشرة دار الكتب العلمية في بيروت خمسة أجزاء في مجلدين.
4 ـ نشرة دار المعرفة في بيروت سنة (1395هـ) خمسة أجزاءت في مجلدين.
5 ـ نشرة دار البشائر في دمشق في ثلاث مجلدات وهي صورة لطبعة الحلبي الأولى سنة (1996م).
6 ـ كما طبع هذا المتن مع شرحه الاختيار في مطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر سنة (1355هـ) وعليه تعليقات للشيخ محمود أبو دقيقة المتوفي سنة (1359هـ) رحمه الله تعالى ، كما طبع ثانيةً في المطبعة المذكورة سنة (1370هـ) وجعل في خمسة أجزاء ، وقرر على طلاب المرحلة الثانوية في الجامعة الأزهرية في كل سنة جزء.
شروحه:
شرحه مؤلفه بشرح سماه:" الاختيار لتعليل المختار " وقد طبع هذا الشرح عدة مرات منها:_
1 ـ في مطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر سنة (1355هـ) وسنة (1370هـ) وعليه تعليقات للشيخ محمود أبو دقيقة رحمه الله تعالى، وجعل في خمسة أجزاء، وقرر على طلاب المرحلة الثانوية في الجامعة الأزهرية في كل سنة جزء.
2 ـ في بيروت، نشر دار المعرفة سنة (1419هـ) خمسة أجزاء في مجلدين بتخريج وتعليق الشيخ خالد عبد الرحمن العلك.
---------------------------------------------------------------------
المبحث الاول: التأصيل الشرعي
لتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والأعراف والأحوال:
القرآن:
1- قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)( ).
قال الطبري في تأويل هذه الآية: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس بالعرف ، وهو المعروف في كلام العرب ، مصدر في معنى المعروف( ).
فالشاهد في الآية هو أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يكون آمرا بالعرف الذي هو ما تعارف عليه الناس من كل خصلة حسنة ترتضيها العقول السليمة، فما استحسنته الطباع السليمة من غير نكير فإن الشرع الحنيف يقر به، ومن هنا كان العرف أحد الأدلة الشرعية .
السنة:
1-عن عائشة رضي الله عنها: ( قالت هند أم معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل علي جناح أن اخذ من ماله سرا ؟ فقال: ( خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف )
وقد بوب البخاري بابا باسم هذا المعنى فقال: باب: من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن وسنتهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة( ).
قال ابن حجر: قال ابن المنير وغيره: مقصوده بهذه الترجمة إثبات الاعتماد على العرف، وأنه يقضى به على ظواهر الألفاظ، ولو أن رجلا وكل رجلا في بيع سلعة فباعها بغير النقد الذي عرف الناس لم يجز، وكذا لو باع موزونا أو مكيلا بغير الكيل أو الوزن المعتاد، وذكر القاضي الحسين من الشافعية أن الرجوع إلى العرف أحد القواعد الخمس التي يبنى عليها الفقه( ).
قال النووي للحديث فوائد وعددها ثم قال: منها اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي
قال العيني: بالمعروف وهو عادة الناس وهذا يدل على أن العرف عمل جار.
وقال ابن بطال العرف عند الفقهاء أمر معمول به وهو كالشرط اللازم في الشرع ثم ذكر ابن بطال بعض مسائل من الفقه التي يعمل فيها بالعرف منها لو وكل رجل رجلاً على بيع سلعة فباعها بغير النقد الذي هو عرف الناس لم يجز ذلك ولزمه النقد الجاري وكذا لو باع طعاما موزونا أو مكيلاً بغير الوزن أو الكيل المعهود لم يجز ولزم الكيل المعهود المتعارف من ذلك ( ).
2-عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يسلفون في الثمر العام والعامين– أو قال عامين أو ثلاثة، شك إسماعيل – فقال: من سلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم )( ).
فالواو في قوله صلى الله عليه وسلم: (والناس يسلفون ) للحال أي أن ما تعارف الناس عليه ( ).
من خلال الحديثين الشريفين يتبين أن العرف هو مما يرجع إليه في الأمور التي لا تحديد من الشارع لها فتحدد بما تعارف عليه الناس .
الإجماع:
أما الإجماع فقد نقله القرافي على أن الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها إذا دارت، قال الشيخ القرافي: (إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد: خلاف الإجماع وجهالة في الدين)( ).
قواعد :
1. قاعدة: (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان )( ).
2. قاعدة: (الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها)( ).
3. قاعدة: (الأصل أن تزول الأحكام بزوال عللها )( ).
فما ثبت بناء على حال أم عرف معين ثم تغير ذلك الحال والعرف، فلابد من تغير الحكم المبني عليه، كما نصت عليه القواعد المذكورة .
المعقول:
1. لقد نظر فقهاء الحنفية في الأحكام التي كان مبناها على الإجتهاد وأن مستندها قد يتغير، فأنشئوا لها حكما آخر لتغير الزمان، وذلك مثل قولهم في عدم جواز الإجارة على الطاعات في أصل المذهب وتغير الحكم عند المتأخرين لتغير مستنده، قال في متن المختار: ولا تجوز الإجارة على الطاعات كالحج والأذان والإمامة وتعليم القرآن والفقه، وبعض أصحابنا المتأخرين قال: يجوز على التعليم والإمامة في زماننا، وعليه الفتوى( ).
2. يقول القرافي: ليس كل الأحكام يجوز العمل بها، ولا كل الفتاوى الصادرة عن المجتهدين يجوز التقليد فيها، بل في كل مذهب مسائل إذا حقق النظر فيها امتنع تقليد ذلك الإمام فيها كالحكام حرفا بحرف .
ويقول في موضع آخر: إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد: خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد: يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة.
بل ولا يشترط تغير العادة، بل لو خرجنا نحن من ذاك البلد إلى بلد آخر، عوائدهم على خلاف عادة البلد الذي كنا فيه أفتينا بعادة بلدهم، ولم تعتبر عادة البلد الذي كنا فيه، وكذلك إذا قدم علينا احد من بلد عادته مضادة للبلد الذي نحن فيه لم نفته إلا بعادة بلده دون عادة بلدنا( ).
3. يقول الشاطبي: (لما قطعنا بأن الشارع جاء باعتبار المصالح ، لزم القطع بأنه لابد من اعتباره العوائد ؛ لأنه إذا كان التشريع على وزن واحد ، دل على جريان المصالح على ذلك؛ لأن أصل التشريع سبب المصالح ؛ والتشريع دائم كما تقدم، فالمصالح كذلك ، وهو معنى اعتباره للعادات في التشريع.
وكذلك العوائد لو لم تعتبر لأدى إلى تكليف ما لا يطاق، وهو غير جائز أو غير واقع .
وقد مثل الإمام الشاطبي على العوائد التي تتبدل وهي أسباب لأحكام تترتب عليها فقال: ما يكون متبدلا في العادة من حسن إلى قبح، وبالعكس، مثل كشف الرأس فانه يختلف بحسب البقاع في الواقع، فهو لذوي المروءات قبيح في البلاد المشرقية، وغير قبيح في البلاد المغربية، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك، فيكون عند أهل المشرق قادحا في العدالة، وعند أهل المغرب غير قادح( ) .
4. يقول ابن القيم: (ويعد تغير الفتوى بحسب الأمكنة والأحوال والعوائد معنى عظيم النفع ومظهرا من مظاهر التخفيف ورفع الحرج عن الناس، وبسبب الجهل به يقع غلط عظيم على الشريعة يوجب من الحرج والمشقة والتكليف ما لا سبيل إليه، الشيء الذي يتنافى والشريعة التي هي في أعلى رتب المصالح)( ).
5. يقول الإمام ابن عابدين: قال في القنية: ليس للمفتي ولا للقاضي أن يحكما على ظاهر المذهب ويتركا العرف، ثم قال العرف: نوعان خاص وعام، وكلاهما معتبران عند كثير من المشايخ في مقابل ظاهر الرواية إن كان دليلها القياس( والتعامل حجة يترك به القياس ويخص به الأثر) وقد يخال أن هذا الصنيع ابتداع في المذهب لتصريح الفقهاء بأن الرأي إذا كان في كتب ظاهر الرواية ( )، لا يعدل عنه إلا إذا صحح المشايخ غيره، ولكن موضع هذه المقالة إذا لم يقتض العرف غير ظاهر الرواية ، أما إذا اقتضى غيره وجب العدول إليه ؛ لأنه يكون حينئذ هو رأي صاحب المذهب ومقتضى قواعده ، بحيث لو وجد في زمان العرف الحادث وشاهد أحوالا غير الأحوال ، لأفتى بغير ما قال أولا؛ وذلك لان من قواعده مراعاة العرف . ولهذا نقل عن القنية: ليس للمفتي ولا للقاضي أن يحكما على ظاهر المذهب ويتركا العرف( ).
6. وفي رسائل ابن عابدين في جواب سؤال هو إذا خالف العرف ظاهر الرواية: إعلم أن المسائل الفقهية إما أن تكون ثابتة بصريح النص وهي الفصل الأول، وإما أن تكون ثابتة بضرب اجتهادي ورأي، وكثير منها ما يبنيه المجتهد على ما كان في عرف زمانه بحيث لو كان في زمان العرف الحادث لقال بخلاف ما قاله أولا؛ ولهذا قالوا في شروط الاجتهاد أنه لابد فيه من معرفة عادات الناس، فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولا للزم منه المشقة والضرر بالناس ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد لبقاء العالم على أتم نظام وأحسن إحكام، ولهذا نرى مشايخ المذهب خالفوا ما نص عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا به أخذا من قواعد مذهبه( فمن ذلك ) إفتاؤهم بجواز الاستئجار على تعليم القرآن ونحوه لانقطاع عطايا المعلمين التي كانت في الصدر الأول، ولو اشتغل المعلمون بالتعليم بلا أجرة يلزم ضياعهم وضياع عيالهم ولو اشتغلوا بالاكتساب من حرفة وصناعة يلزم ضياع القرآن والدين ، فأفتوا بأخذ الأجرة على التعليم وكذا على الإمامة والأذان كذلك مع أن ذلك مخالف لما اتفق عليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من عدم جواز الاستئجار وأخذ الأجرة عليه كبقية الطاعات من الصوم والصلاة والحج وقرأة القرآن ونحو ذلك( ).
(ومن ذلك) قول الإمامين بعدم الاكتفاء بظاهر العدالة في الشهادة مع مخالفته لما نص عليه أبو حنيفة بناء على ما كان في زمنه من غلبة العدالة ، وقد نص العلماء على أن هذا الاختلاف اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان( ).
(ومن ذلك) تحقق الإكراه من غير السلطان مع مخالفته لقول الإمام بناء على ما كان في زمنه من أن السلطان لا يمكنه الإكراه ، ثم كثر الفساد فصار يتحقق الإكراه من غيره ، فقال محمد رحمه الله باعتباره ، وأفتى به المتأخرون لذلك ..... وهناك مسائل كثيرة يصعب عدها( ).
7. قال ابن عابدين: فان قلت: العرف يتغير ويختلف باختلاف الأزمان، فلو طرأ عرف جديد هل للمفتي في زماننا أن يفتي على وفقه ويخالف المنصوص في كتب المذهب ؟(قلت) إن المتأخرين الذين خالفوا المنصوص في كتب المذهب في المسائل السابقة لم يخالفوه إلا لتغير الزمان والعرف وعلمهم أن صاحب المذهب لو كان في زمنهم لقال بما قالوه ،وفي الحاشية: فللمفتي الآن أن يفتي على عرف أهل زمانه وان خالف فتوى المتقدمين، وقال في مكان أخر: لو أن الرجل حفظ جميع كتب أصحابنا لابد أن يتتلمذ للفتوى حتى يهتدي إليها لان كثيرا من المسائل يجاب عنها على عادات أهل الزمان فيما لا يخالف الشريعة( ).
8. وقد علق ابن نجيم على قول الحنفية: (إن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص) فقال: ولكن أفتى كثير من المشايخ باعتباره؛ فأقول على اعتباره ينبغي أن يفتى، وكذا أقول على اعتبار العرف الخاص، قد تعارف الفقهاء بالقاهرة النزول عن الوظائف بمال يعطى لصاحبها وتعارفوا ذلك فينبغي الجواز( ).
9. قال القاضي حسين من الشافعية: إن الرجوع إلى العرف احد القواعد الخمس التي يبنى عليها الفقه، فمنها الرجوع إلى العرف في معرفة أسباب الأحكام من الصفات الإضافية كصغر ضبة الفضة وكبرها وغالب الكثافة في اللحية ونادرها وكثرة فعل أو كلام وقلته في الصلاة ومهر مثل وكفء نكاح ومؤنة ونفقة وكسوة وسكنى وما يليق بحال الشخص من ذلك، ومنها الرجوع إليه في المقادير كالحيض والطهر وأكثر مدة الحمل وسن اليأس، ومنها الرجوع إليه في فعل غير منضبط يترتب عليه الأحكام كإحياء الموات( )، والإذن في الضيافة ودخول بيت قريب وما يعد قبضا وإيداعا وهدية وغصبا وحفظ وديعة وانتفاعا بعارية، ومنها الرجوع إليه في أمر مخصص كألفاظ الإيمان وفي الوقف والوصية والتفويض ومقادير المكاييل والموازين والنقود وغير ذلك( ).
---------------------------------------------------------------------
المبحث الثاني : فيه مطلبان :
المطلب الأول : المسائل التطبيقية في المعاملات المالية عند الحنفية من خلال متن المختار وفيه سبع مسائل .
المسألة الأولى: استحقاق الأجرة
قال الماتن: (ولرب الدار أن يطالب بأجرة كل يوم، والحمال بأجرة كل مرحلة) ( )، هذا بناء على عرف زمنهم، أما في زمننا فقد تعارف الناس على أن لا يستحق الأجرة إلا إذا انتهى السفر؛ لإن المعقود عليه شيء واحد وهو قطع هذه المسافة وهو قول الإمام أبي حنيفة وزفر.
المسألة الثانية : حدود التغابن
قال الماتن: (والوكيل بالشراء لا يجوز شراؤه إلا بقيمة المثل وزيادة يتغابن فيها، وما لا يتغابن فيه في العروض، في العشرة زيادة نصف درهم، وفي الحيوان درهم، وفي العقار درهمين )( ).
تحديد ما لا يتغابن فيه في العقار بدرهمين مما هو تابع لقيمة العقار في زمانه، أما في زماننا فزيادة الدرهمين ونقصهما اليوم وما هو أكثر من ذلك قد يكون مقبولا عند الموكل لو باع به الوكيل أو اشترى .
المسالة الثالثة: بيع المسيل
ذكر في عدم جواز بيع المسيل فقال: (ويجوز بيع الطريق وهبته، ولا يجوز ذلك في المسيل) وبين ذلك بقوله: لأن الطريق موضع من الأرض معلوم الطول والعرض فيجوز، والمسيل موضع جريان الماء وهو مجهول؛ يقل ويكثر( ).
بني الحكم في جواز البيع وعدم جوازه على أن الطريق معلوم المساحة من الطول والعرض وعلى ذلك جاز بيعه، أما المسيل فهو مجهول؛ لأنه يقل ويكثر وبذلك فهو غير معلوم فلا يجوز بيعه، وحكمه على المسيل بأنه يقل ويكثر بناء على عرفهم آنذاك؛ لان المسايل جوانبها من التراب وبالتالي فان الماء يؤثر عليها بكثرته وسرعته فتتسع ، أما في زماننا هذا فانه في بعض البلاد أصبحت المسايل سواقي من الاسمنت وغيره من المواد التي لا يطرأ عليها التغيير من سعة وغيرها، وبالتالي فان هذه المسايل معلومة الطول والعرض وغير مجهولة المساحة وعلى ذلك فلا مانع من بيعها.
فمنعه بيع المسيل هو ما تعارفوا عليه في زمانهم من المسيل وهو الذي يقل ويكثر؛ ولهذا قال في فتح القدير: أما لو بين حد ما يسيل به الماء فهو جائز( ).
المسالة الرابعة: عيوب المبيع:
ذكر ما يعد عيبا في المبيع فقال: ( والشيب والكفر والجنون عيب فيها )( ).
هذا الحكم مما يتبع عرف البلاد وأحوالها والسوق وأعرافه، فإذا كان في بلاد فيها المسلم وغيره، واعتاد الناس على خدمة غير المسلم فليس بالضرورة اعتبار الكفر عيبا، وكذلك إذا كان في بلاد لها تجارة مع غير المسلمين فان التجار قد يفضلون أن يبعثوا في تجارتهم غير المسلم، وخاصة إذا كان المسلم لا يأمن على نفسه من دخول بلاد غير المسلمين.
أما الشيب فكذلك ليس بالضرورة أن يكون عيبا، وخاصة إذا كان للسيد تجارة تمر على مناطق غير مأمونة فيها من اللصوص الذين يقتلون الشاب الفتى ، بينما العبد العجوز قد لا يعترضه احد.
وكذلك إذا كان للسيد جوار جميلات وهو يخشى عليهن من العبيد إن كانوا شبانا، فقد يرغب بشراء العبد ذي الشيبة ويفضله على الشاب .
المسالة الخامسة: بيع التولية( ): قال: ولا يجوز أن يضم إلى الثمن الأول نفقته وأجرة الراعي والطبيب والمعلم والرايض وجعل الآبق، ثم قال: وأصله أن كل ما تعارف التجار إلحاقه برأس المال يلحق به ، وما لا فلا ، وقد جرت العادة بذلك( ).
فبناء على أصله أن كل ما تعارف التجار إلحاقه برأس المال يلحق به، فعرف زماننا أن التجار يضمون إلى رأس المال أجرة الراعي والطبيب والمعلم والرايض، وكذلك مما هو من الإضافات الحديثة كالجمارك وأجور النقل والتحميل والتفريغ والضرائب الأخرى عند الاستيراد وكذلك أجور العمولة في التحويلات المصرفية .
المسألة السادسة : صبغ الثوب المغصوب
قال الماتن: (ومن غصب ثوباً فصبغه أحمر أو سويقا فلته بسمن فالمالك إن شاء أخذهما ورد زيادة الصبغ والسويق، وإن شاء أخذ قيمة الثوب أبيض )( ).
فالماتن اعتبر صبغ الثوب باللون الأحمر زيادة في الثوب دون الألوان الأخرى بناء على ما هو متعارف عليه في زمنه ، ولهذا في الشرح والألوان كلها سواء، بينما الإمام أبو حنيفة اعتبر اللون الأسود نقصانا، ولهذا صرح الحنفية بأن هذا اختلاف عصر وزمان فقال في الشرح قال أبو حنيفة: السواد نقصان، قيل: هو اختلاف عصر وزمان، وقيل: إن نقصه السواد فهو نقصان .
المسألة السابعة : رؤية المبيع
قال في متن المختار: (ومن اشترى ما لم يره جاز، وله خيار الرؤية؛ ومن باع ما لم يره فلا خيار له، ويسقط برؤية ما يوجب العلم بالمقصود كوجه الآدمي ووجه الدابة وكفلها ورؤية الثوب مطويا)( )، فالمراد بالاكتفاء برؤية ظاهره هو الثوب الذي لا يقصد من شرائه إلا جودة اقماش، أما إذا كان المقصود الزينة ونوع الخياطة فلابد من رؤيتها، وكذلك إذا كان المقصود من شراء الدابة للدر والنسل فلابد من النظر إلى الضرع مع جميع جسدا، فمقاصد الناس في شراء الدواب قد تتغير من زمن لأخر، وقد تكون في أزمنة المقصود هو الزينة أو القوة أو السرعة ، فلابد في كل ذلك ما يتوصل به إلى المقصود، ولهذا قال في الشرح: وأما الثوب فالمراد الثياب التي لا يخالف باطنها ظاهرها، أما إذا اختلفا فلابد من رؤية الباطن، ثم قال: ولابد في شاة اللحم من الجس، وشاة الدر والنسل من النظر إلى الضرع مع جميع جسدها واعتبر هذا في جميع المبيعات .
المطلب الثاني :
مسائل من الاختيار شرح المختار وفيه ست مسائل:
المسألة الأولى: البيع بالأنموذج :
ذكر صاحب الاختيار في شروط المبيع فقال: (ولابد من معرفة المبيع معرفة نافية للجهالة) قطعا للمنازعة .... ثم ذكر أن المبيع إذا كان غائبا وهو مما يعرف بالأنموذج كالكيلي والوزني والعددي المتقارب فرؤية الأنموذج كرؤية الجميع .... وان كان مما لا يعرف بالأنموذج كالثياب والحيوان فيذكر له جميع الأوصاف قطعا للمنازعة ويكون له خيار الرؤية( ).
فتمثيله بالثياب لما لا يعرف بالأنموذج معتمد على ما تعارفوا عليه من الثياب في زمنهم؛ لأن الثياب كانت تنسج باليد فلا يمكن أن تكون متماثلة حتى ولو كانت لنساج واحد.
أما الثياب اليوم فأصبحت من المتماثل؛ فإن مصنعا واحدا ينتج ملايين القطع من الثياب على صفة واحدة لا فرق بين أفراد تلك الثياب.
فهذا المثال معتمد على العرف، وقد تغير العرف، فيكون التمثيل بالثياب لما لا يعرف بالأنموذج غير مسلم في زماننا وان كان مسلما في زمانهم .
المسالة الثانية: الشروط في البيع:
ذكر في جواز بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشرها ..... ثم قال: وعلى البائع تخليصه بالدياس والتذرية، وكذا قطن في فراش وعلى البائع فتقه لان عليه تسليمه، أما جذاذ الثمرة وقطع الرطبة وقلع الجذور والبصل وأمثاله على المشتري؛ لأنه يعمل في ملكه وللعرف( ).
فجذاذ الثمرة وقطع الرطبة وقلع الجذور والبصل من المعاملات التي إذا اشترط البائع على المشتري قطعها بنفسه أي أن المشتري هو الذي يقطع، فلا مانع ؛لأن المؤمنين عند شروطهم، أما ما ذهبوا إليه من اشتراط القطع على البائع، فأعلوه بعلتين:
الأولى: انه في ملكه، وهذا غير لازم فمن حق المالك أن يأذن لغيره بالعمل في ملكه.
الثانية: العرف: وهم اعتمدوا في ذلك على عرف زمانهم، فعند تغير العرف أصبح من عرف التجار أن القلع والجذاذ والقطع يكون على المشتري فلا مانع من ذلك، فاشتراطهم القطع والجذاذ على البائع أمر تابع للعرف وقد يتغير فيكون في زمن آخر على المشتري ولا مانع .
المسألة الثالثة: بيع ما هو منتفع به:
منع الحنفية بيع الحية والعقرب والضب والقنفذ ونحوها وعللوا ذلك بقولهم : إنه لا ينتفع بها( ).
قولهم هذا بناء على عرفهم آنذاك بان الناس لا ينتفعون من هذه المذكورات. فتغير الزمان وأصبحت هذه المذكورات مما ينتفع بها كما في بعض البلدان، فيخرج على أصولهم القاضية بجواز بيع ما يعد مالا، والمال عندهم هو ما يحقق نفعا للإنسان، ولهذا قالوا في تعليل جواز بيع الكلب والفهد والسباع إنها جميعا منتفع بها .
فيخرج على أصولهم جواز بيع المذكورات كالحية والعقرب والضب والقنفذ في البلاد التي ينتفعون منها فتعارفوا بيعها.
المسألة الرابعة: السوم ( ):
قال : وكذا السوم على سوم أخيه – أي يكره – قال عليه الصلاة والسلام ( لا يستام الرجل على سوم أخيه )( ).
وهو أن يرضى المتعاقدان بالبيع ويستقر الثمن بينهما ولم يبق إلا العقد فيزيد عليه ويبطل بيعه ، أما لو زاد عليه قبل التراضي فيجوز وهو المعتاد بين الناس في جميع البلدان والأمصار( ).
أما في عرف أسواقنا إذا كان الشخص في حالة مساومة مع البائع فلا يجوز لثالث أن يدخل طرفا في البيع وان لم يستقر الثمن ويتراضيا ما دام الحديث يدور بينهما حول البيع.
المسالة الخامسة: السلم( ) في الخبز:
ذهب الإمام أبو حنيفة إلى عدم جواز السلم في الخبز؛ وذلك لتفاوته تفاوتا فاحشا بالثخانة والرقة والنضج، وكذلك لا يجوز عنده استقراضه؛ لتفاوته عددا من حيث الخفة والثقل، ووزنا من حيث الصنعة( ).
والعلة عند الإمام أبي حنيفة هو تعذر معرفة التساوي، فيكون مجهولا فيؤدي إلى المنازعة؛ لأنه غير منضبط؛ لأن القاعدة عند الإمام أبي حنيفة أن كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه، فبناء على هذه القاعدة وتخريجا على أصله: أن الخبز في زماننا يمكن معرفة مقداره وضبط صفته بوجود التقنيات الحديثة من مصانع وافران، والتي تنتج ملايين القطع من الخبز بوزن واحد وصفة واحدة من اليبوسة والرطوبة، وعلى ذلك يقال بجواز السلم في مثل هذا الذي أمكن ضبطه ووزنه وصفته .
وإن كان الإمام محمد قال بجواز ذلك لكن بناء على تعامل الناس وحاجتهم إليه، وكذلك الإمام أبو يوسف إلا انه جوز الاستقراض وزنا لا عددا( ).
المسالة السادسة: الاستصناع( ):
قال إنما يجوز فيما جرت به العادة من اواني الصفر والنحاس والزجاج والعيدان والخفاف والقلانس والأوعية من الادم والمناطق وجميع الأسلحة، ولا يجوز فيما لا تعامل فيه كالجباب ونسج الثياب؛ لان المجوز له هو التعامل على ما مر فيقتصر عليه( ).
لم يجز الاستصناع في الجباب ونسج الثياب لعدم التعامل فيه في زمنهم، أما في زماننا فقد تعارف الناس على الاستصناع في الجباب ونسج الثياب، فان التاجر يطلب من المصانع آلاف الأطوال من الثياب على صفة معلومة فتصنع له على المواصفات المطلوبة، والعمل جار على ذلك من غير حدوث منازعات بين التجار على ذلك، فينبغي أن يقال بالجواز في مثل هذا النوع من الاستصناع؛ لان المجوز عندهم هو التعامل وقد وجد، وكذلك يضاف إليه ما هو عند الحنفية من العوامل التي تدل على الجواز وهو عدم حدوث المنازعة .
---------------------------------------------------------------------------
الخاتمة:
1. بعد بيان الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين والتي تدل على أن الأحكام الشرعية التي مدركها العوائد والأعراف تتغير بتغير تلك الأحوال والأعراف ، إلا أن ما يتكلم فيه من تغير الفتوى كأنه قد اقتصر على التغيرات التي قال بها الإمام أبو يوسف ومحمد وزفر رحمهم الله تعالى وما حدث في تلك الأزمنة وما تلاها من تغيرات كما حدث لعلماء بخارى وسمرقند وكذلك ما خالف به أبو زيد القيرواني للإمام مالك أو البيهقي للشافعي أو ابن عقيل وابن القيم للإمام احمد ، ولا يكون الكلام النظر في تغير الفتوى في هذه الأزمنة في إطار التطورات الحديثة والمتسارعة التي هي الأولى بالنظر ، فإذا كان الإمام أبو يوسف ومحمد يخالفان الإمام أبا حنيفة في ثلثي المذهب في ظرف لا يتجاوز الأربعين سنة فما بال الأمة وهي تعيش واقعا يبعد عن واقع أئمتها بألف ومائتي سنة وبهذا التقدم الهائل في الوسائل والأساليب، أليس هذا يدعو إلى مراجعة شاملة لكل ما لهذا التغير من تأثير عليه ولا تقتصر مواضيع تغير الفتوى على الأمثلة التي وردت عن الإمام أبي يوسف ومحمد وأمثالهم .
2. هذا التغير ليس معناه التهوين من مقام أئمتنا ، ولا هو تشكيك في تاريخنا ، بل فيه دلالة على انضباط ما وضعوه من قواعد على ضوئها كان هذا التغير.
3. هذه الدراسة وأمثالها هي خطوة على الطريق لإعادة متون الفقه الإسلامي إلى الساحة العملية، وعدم إبقائه محجورا داخل المساجد وعلى رفوف المكتبات.
4. اشتملت الدراسة على اختيار مسائل معينة من متن المختار في الفقه الحنفي مبناها على أعراف وأحوال تغيرت فأشرت إليها وبينت أن أحكامها ينبغي إن تتغير تبعا لتغير أعرافها وأحوالها، وبينت الأحكام الجديدة التي ينبغي أن يفتى بها، وكان عدد هذه المسائل تسعا، وسبب اقتصاري على هذا العدد أني محكوم بعدد معين من الصفحات المشروطة في البحوث المقدمة للمؤتمرات .
التوصيات
بعد هذه الدراسة المتواضعة أود أن أدلو ببعض الوصايا التي يحتاجها الذين يشتغلون في حقل العلوم الشرعية، وهي :
1. إضافة تعليقات على كثير من كتب المتون الفقهية تشير إلى الأحكام التي كان مصدر الإفتاء فيها الأحوال والأعراف ، وإذا تغيرت تلك الأعراف والأحوال ينبه إلى أن الحكم يتغير بتغيرها، خاصة الكتب التي تدرس لطلاب العلم؛ حتى لا يصطدم الطالب بفتاوى غير ملائمة لها ظروفها وملابساتها ، فيقع في نفسه ما يقع مما يؤدي إلى تهوين الشرع في نفسه .
2. إن يفرق طلبة العلم بين الأحكام التي مبناها الأحوال والعوائد وبين ما هو ثابت لا أثر للزمن فيه ، فيوسعوا أذهانهم لقبول التغير في الأول وهو الطريق للثبات على الثاني؛ لأن هذا المنهج هو الكفيل بان يجعل هيبة لشرع الله في نفوس أتباعه فيكونوا أكثر تمسكا به .
--------------------------------------------------------------------------
ثبت المراجع
1. أعلام الموقعين عن رب العالمين، تأليف العلامة الإمام شيخ الإسلام شمس الدين أبي محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، المتوفى سنة 751هـ، اعتنى به أحمد عبد السلام الزعبي، ط1، 1418هـ_1997م، شركة دار الأرقم ابن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان.
2. الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، تأليف الإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي المصري المالكي، المتوفى 684هـ، اعتنى به عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت لبنان، ط2، 1416هـ_1995م.
3. الاختيار لتعليل المختار، تأليف العلامة عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي تحقيق علي عبد الحميد أبي الخير ومحمد وهبي سليمان، ط1 ، دار الخير، 1419ه-1998م، وطبعة دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع تحقيق بشار بكري عربي ، دمشق.
4. الأشباه والنظائر، تأليف العلامة زين الدين بن إبراهيم المعروف بابن نجيم الحنفي المتوفى سنة 970هـ، ط1، 1403هـ_1983م، دار الفكر بدمشق.
5. التعريفات للجرجاني، دار الكتاب العربي، بيروت ط1، ص198 .
6. التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، تأليف: فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1421هـ - 2000م، الطبعة: الأولى
7. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، تأليف: إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي، دار النشر: دار الكتب العلمية – بيروت.
8. الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، أو الفراسة المرضية في أحكام السياسة الشرعية ، للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، المتوفى سنة 751هـ ، خرج أحاديثه الشيخ زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ_1995م، بيروت لبنان.
9. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تأليف: أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي، دار النشر: دار الكتب العلمية - لبنان - 1413هـ- 1993م، الطبعة: الاولى، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد.
10. تاج العروس من جواهر القاموس باب اللام فصل الدال، لمحمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني الملقب بمرتضى الزبيدي، دار إحياء التراث العربي النهاية لابن الأثير.
11. تفسير البيضاوي، تأليف: البيضاوي، دار النشر: دار الفكر – بيروت.
12. تفسير القرآن العظيم، تأليف: إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1401 .
13. تفسير النسفي، تأليف الإمام الجليل العلامة أبي البركات عبد الله ابن أحمد بن محمود النسفى .
14. جامع البيان عن تأويل آي القران، تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310 هـ، دار الفكر.
15. حاشية رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار فقه أبو حنيفة، تأليف: ابن عابدين. ، دار النشر: دار الفكر للطباعة والنشر– بيروت-1421هـ - 2000م.
16. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تأليف: العلامة أبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.
17. شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، للإمام سيدي محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، المتوفى سنة 1122ه، دار إحياء التراث العربي ـ1417هـ_1997م،بيروت لبنان .
18. شرح المجلة، للمرحوم سليم رستم باز اللبناني، طبع بإجازة نظارة الجليلة في الأستانة العلية، 1406هـ_1986م.
19. صحيح البخاري بهامش فتح الباري،ط1 ،دار الكتب العلمية، بيروت لبنان ،1410هـ_1989م.
20. صحيح مسلم بشرح النووي، تأليف: أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1392، الطبعة: الطبعة الثانية.
21. طبقات الحفاظ، تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي أبو الفضل، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1403، الطبعة: الأولى.
22. طبقات المفسرين، تأليف: أحمد بن محمد الأدنهوي، دار النشر: مكتبة العلوم والحكم - السعودية - 1417هـ- 1997م، الطبعة: الأولى، تحقيق: سليمان بن صالح الخزي.
23. عمدة القاري شرح صحيح البخاري المسمى بالعيني على البخاري، للشيخ الإمام العلامة بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني المتوفى سنة 855هـ، دار الفكر.
24. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، تأليف: محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار النشر: دار الفكر – بيروت.
25. فتح القدير ،تأليف الشيخ كمال الدين محمد بن عبد الواحد ،دار إحياء التراث العربي ،1340هـ، بيروت لبنان.
26. قواعد الأحكام في مصالح الأنام ،تأليف شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام، المتوفى سنة 660هـ،تحقيق الدكتور نزيه كمال حماد و الدكتور عثمان جمعة ضميرية، دار القلم دمشق، ط1 1421هـ _2000م
27. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، تأليف: مصطفى بن عبدالله القسطنطيني الرومي الحنفي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1413 – 1992.
28. لسان العرب ، للإمام العلامة ابن منظور المتوفى سنة 711هـ، اعتنى بتصحيحها أمين محمد عبد الوهاب ومحمد صادق العبيدي ، ط1 ،1416 هـ-1995 م ، دار إحياء التراث العرب
للإستماع (قرابة ساعتين):
التحميل:
---------------------------------------------------------------------------
التفريغ النصي:
مقدمة:
الحمد لله الذي جعل للعلم قدرا ورفع أهله على الورى ذكرى، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي رفع لواء العلم ليستظل به أهل النهى، وبعد :
فإن أحكام الشريعة منها ما هو ثابت على مر العصور والدهور لا يتأثر بالمتغيرات التي تطرأ على المجتمعات ، ومنها ما هو متأثر بالأحوال التي تتغير على الناس كقوة الأمة وضعفها وكذلك التراتيب الإدارية التي تتأثر بها معاملات الناس والتطورات الصناعية وحال إيمان الناس قوة وضعفا .
ولما كانت الأحكام التابعة لحالة تتغير بتغيرها فإن أحكاما كثيرة بنيت على أحوال معينة فهي تتغير بتغير تلك الأحوال ، وهذا ما صرح به فقهاؤنا .
ففي رسائل ابن عابدين في جواب سؤال هو إذا خالف العرف ظاهر الرواية قال : إعلم أن المسائل الفقهية إما أن تكون ثابتة بصريح النص وهي الفصل الأول ، وإما أن تكون ثابتة بضرب اجتهادي ورأي ، وكثير منها ما يبنيه المجتهد على ما كان في عرف زمانه بحيث لو كان في زمان العرف الحادث لقال بخلاف ما قاله أولا ، وقال في مكان آخر: (نظرا لتغير الأعراف بتغير الأزمان فان الأحكام المبنية على العرف تتغير أيضاً)
وذكر ابن عابدين مسائل كثيرة مبناها على العوائد ثم قال : فهذا كله وأمثاله دلائل واضحة على أن المفتي ليس له الجمود على المنقول في كتب ظاهر الرواية من غير مراعاة الزمان وأهله وإلا يضيع حقوقا كثيرة ويكون ضرره أعظم من نفعه . ( )
بناء على ما تقدم فإن بعض الأحكام الاجتهادية جاءت بناء على أعراف وأحوال معينة ، فإذا تغيرت تلك الأعراف والأحوال فينبغي النظر في هذه الأحكام نظرا جديدا قد يؤدي إلى أحكام جديدة .
والقول بتغير الأحكام تبعاً للعوائد والأعراف ليس في الحقيقة تغيرا في دين الله، وإنما هو تطبيق لروح النص الذي في الحقيقة قالب للمعنى.
يقول الشاطبي: (إن اختلاف الأحكام عند اختلاف العوائد ليس في الحقيقة باختلاف في أصل الخطاب، وإنما معنى الاختلاف أن العوائد إذا اختلفت رجعت كل عادة إلى أصل شرعي يحكم به عليها)( )
ثم قال: (والعرف الخاص معتبر وإن خالف المنصوص عليه في كتب المذهب).( )
وقد بين الإمام مالك وتبعه في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية( )أن الشريعة الإسلامية تراعي أحوال الناس وتنشئ لهم أحكاما قد يكون للواقع تأثير فيها، سواء الواقع الشخصي أو الواقع العام، وأنها لا تتعامل مع ضعيف الإيمان كما تتعامل مع قويه؛ لأنها جاءت لتعالج أمر الناس لا أن تعاقبهم فهي لا تلاحق المجرمين لإيقاع العقوبة بهم بقدر ما تضع لهم حلولا لإخراجهم مما هم فيه من أحوال.
يقول الإمام مالك رحمه الله: (تحدث للناس القضية بقدر ما أحدثوا من فجور) قال الزرقاني: ومراده أن يحدثوا أموراً تقتضي أصول الشريعة فيها غير ما اقتضته قبل حدوث ذلك الأمر.( )
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (والمؤمن ينبغي له أن يعرف الشرور الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة، فيفرق بين أحكام الأمور الواقعة الكائنة والتي يراد إيقاعها في الكتاب والسنة، ليقدم ما هو أكثر خيرا وأقل شرا على ما هو غيره، ويدفع أعظم الشرين باحتمال أدناهما، ويجتلب أعظم الخيرين بفوات أدناهما، فإن من لم يعرف الواقع في الخلق والواجب في الدين لم يعرف أحكام الله في عباده، وإذا لم يعرف ذلك كان قوله وعمله بجهل، ومن عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح)
وقد ذكر هذه الحقيقة الطاهر بن عاشور وبين أن عدم الأخذ بهذا المبدأ يؤدي إلى مخالفة فروع الشريعة لكلياتها ؛ لان كليات الشريعة تبين الإرادة في إقرار الأحكام، وهذا يظهر من قوله تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)( ) يقول ابن عاشور: (بقاء الأحكام مع تغير موجبها لا يخلو من أن يكون إقرارا لنقيض مقصود الشارع ، ويؤدي ذلك إلى أن تكون الأحكام مقصودة لذاتها لا تابعة لموجبها)( ) .
وقد ذكر صاحب كتاب معين الحكام: أنه إذا أدى اختلاف الأحوال إلى تغير بعض الأحكام أو إثبات أحكام لا تشهد لها قواعد الشرع بالإلغاء, وفيها مصلحة فقط, ولا يشترط شهادة قواعد الشرع لها بالاعتبار، فإنه يجوز العمل بها, وان لم يتقدمها نظير في الشرع يشهد باعتبارها، كما وقع لسيدنا الصديق رضي الله عنه في توليته عهد الخلافة لعمر رضي الله عنه، وكترك الخلافة شورى بين ستة، وكتدوين الدواوين، وضرب السكة، واتخاذ السجون، وغير ذلك كثير مما دعا سنّه تغير الأحوال والأزمان، ولم يتقدم فيه أمر من الشرع وليس له نظير يلحق به، ولوحظ فيه جهة مصلحة( ).
والحقيقة أن الأحكام الشرعية التي تتبدل بتبدل الزمان مهما تغيرت باختلاف الزمن، فإن المبدأ الشرعي فيها واحد، وهو إحقاق الحق، وجلب المصالح ودرء المفاسد، وليس تبدل الأحكام إلا تبدل الوسائل والأساليب الموصلة إلى غاية الشارع، فإن تلك الوسائل والأساليب في الغالب لم تحددها الشريعة الإسلامية، بل تركتها مطلقة لكي يختار منها في كل زمان ما هو أصلح في التنظيم نتاجا، وانجح في التقويم علاجا( ).
والقول بتغير الأحكام تبعاً للعوائد والأعراف ليس في الحقيقة تغيرا في دين الله، وإنما هو تطبيق لروح النص الذي في الحقيقة قالب للمعنى.
وقد ظن البعض أن مثل هذه الفتاوى التي جاءت للمصلحة والسياسة الجزئية التي ساسوا بها الأمة، شرائع كلية أبدية، ومن هنا أتيت الشريعة عندما وضع ما هو متغير مكان ما هو ثابت.
يقول ابن القيم: (... إن هذا وأمثاله سياسة جزئية بحسب المصلحة يختلف باختلاف الأزمنة، فظنها من ظنها شرائع عامة لازمة للأمة إلى يوم القيامة، ولكل عذر واجر، ومن اجتهد في طاعة الله ورسوله فهو دائر بين الأجر والأجرين، وهذه السياسة التي ساسوا بها الأمة هي من تأويل القران والسنة، ولكن هل هي من الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة، أم من السياسات الجزئية للمصالح فقيد بها زمانا ومكانا؟ ( )
ويقول ابن القيم في موضع آخر: (والسياسة موضع مزلة أقدام ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك ومعترك صعب، فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرؤا أهل الفجور على الفساد وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها، إلى أن قال: (والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة الشريعة، وتقصير في معرفة الواقع وتنزيل أحدهما على الآخر، فلما رأى ولاة الأمور ذلك وأن الناس لا يستقيم لهم أمرهم إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة، أحدثوا من أوضاع سياستهم شرا طويلا وفسادا عريضا، فتفاقم الأمر وتعذر استدراكه، وعز على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك واستنقاذه من تلك المهالك، وأفرطت طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة، فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله، وكلتا الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله، وأنزل به كتبه)( ).
يقول أبو يوسف رحمه الله: (يصار إلى العرف الطارئ بعد النص بناء على أن تغير العادة يستلزم تغير النص)( ).
فإذا كان العرف الطارئ يصار إليه بعد النص، آلا يصار إلى العرف بعد ما تقرر في المذهب أن كان مبنيا على العرف ؟
وقد يلوح في بادئ الرأي أن هناك تعارضا بين الحكم الجديد والقديم في بعض المواضع، والواقع عدمه؛ ذلك أنه قد يكون الحكم القديم منوطا بعلة مفردة ثم يظهر العرف إنتهاء هذه العلة في ذلك الحكم، فإذا نظرنا إليه من حيث لفظه وحرفيته ظهر أنه متعارض مع الجديد، وإذا نظرنا إليه من حيث مقصوده وأنه معلول بعلة أظهر العرف انتهاءها في أفرادها، ظهر أنه لا تعارض، وهذا كما قال الحنفية في جواز بيع الوفاء بعد أن كان ممنوعا عندهم، وكبيع النعل مع شرط التشريك كذلك؛ لأن الثابت بالعرف قاض على القياس ( ).
لكن الأعراف والعادات ليست على شكل واحد، فمنها ما هو حسن ومنها ما هو قبيح، فما كان منها حسنا ويحقق مقاصد التشريع هو ما نعنيه في التأثير على الأحكام، أما ما هو غير ذلك فلا تأثير له على الأحكام.
وتخصيص متن المختار بالتطبيقات فلما اشتمل عليه من أحكام مبنية على أحوال يطرأ عليها التغيير.
وسينحصر موضوع البحث في حكم فتاوى المتقدمين الواردة بناء على مراعاة أحوال الناس وأعرافهم على تبدل تلك الأحوال التي جاءت تلك الفتاوى لعلاجها.
أما سبب اختياري لهذا الموضوع لأبين لطالب العلم أن ليس كل ما يقرأه ويحفظه من متون العلم يصلح للإفتاء في زمننا؛ وذلك لأن تأليف تلك المتون كان في عصر هو غير عصرنا والأحكام الاجتهادية تتأثر بالواقع الذي تمر به الأمة .
وستكون هذه الدراسة في تمهيد و مبحثين وخاتمة.
ففي التمهيد عرفت المتن ومصطلح الدينية والثوابت والمتغيرات ومعنى الدراسة التحليلية وبينت موقف ابن خلدون من المختصرات وعرفت بمتن المختار والشروح عليه وطبعاته، وفي المبحث الأول تناولت التأصيل الشرعي لتغير الأحكام بتغير الأعراف والأحوال, وفي المبحث الثاني مطلبان، في الطلب الأول ذكرت مسائل منتقاة من متن المختار وعددها سبع مسائل بينت أن صاحب المتن قال بها بناء على عرف زمانه وهي مما ينبغي أن يقال فيها قول أخر في زماننا، وفي المطلب الثاني ذكرت ست مسائل من كتاب الإختيار شرح متن المختار قد بناها الشارح على عرف زمانه وهي مما ينبغي أن يقال فيه قول آخر في زماننا .
--------------------------------------------
تمهيد
تعريف المتن لغة :
متن الشيء بالضم متانة اشتد و قوي فهو متين والمتن من الأرض ما صلب وارتفع( ).
المتن من كل شيء ما صلب ظهره( ).
والمَتِينُ من كل شيء القويُّ وقد مَتُنَ مَتانةً وقال الله عز وجل: ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )( ) القراءة بالرفع المَتينُ صفة لقوله ذو القوة وهو الله، ومعنى ذو القوة المتين ذو الاقتدار الشديد والْمَتينُ في صفة الله تعالى القَوِيُّ( ).
وقيل: (الميم والتاء والنون أصل صحيح واحد يدل على صلابة في الشيء مع امتداد وطول منه المتن ما صلب من الأرض وارتفع وانقاد والجمع)( ).
فالمتن:هو تأليف صلب في العلوم يهدف إلى اختصار في عبارة تحوي معاني كثيرة.
والمتن في الإصطلاح: قال في المدخل الفقهي العام:"يعمد فيها المتأخرون إلى وضع مختصرات يجمعون فيه أبواب العلم كلها في ألفاظ ضيقة يتبارون فيها بالإيجاز وتكاد كل كلمة أو جملة تشير إلى بحث واسع أو مسألة تفصيلية، ويسمى هذا المختصر متنا( ).
تعريف الثابت: الثابت لغة: ثبت الشيء يثبت ثبوتا دام واستقر فهو ثابت وبه سمي وأثبت فلانا لازمه فلا يكاد يفارقه مختار( ).
تعريف المتغيرات: المتغير لغة: غير الغير بوزن العنب الاسم من قولك غيرت الشيء فتغير، وتغايرت الأشياء اختلفت وغير بمعنى سوى والجمع أغيار( ).
قال الجرجاني: التغير هو انتقال الشيء من حالة إلى حالة أخرى( ).
تعريف الدين: الدين لغة: والدين الطاعة تقول دان له يدين دينا أي أطاعه ومنه الدين والجمع الأديان ويقال دان بكذا ديانة فهو دين و تدين به فهو متدين و دينه تديينا وكله إلى دينه( ).
موقف ابن خلدون من التأليف على طريقة المتون :
يرى ابن خلدون أن تأليف العلوم بأسلوب المتون أدى إلى جعل العلوم ألغازاً تحتاج من طالب العلم إلى وقت طويل لحل العبارة وفهمها بسبب الاختصار الشديد لإدراج المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة.
قال ابن خلدون في الفصل السادس والثلاثين تحت عنوان في أن كثرة الاختصارات الموضوعة في العلوم مخلة بالتعليم:
ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق والأنحاء في العلوم، يولعون بها ويدونون منها برنامجاً مختصراً في كل علم يشتمل على حصر مسائله وأدلتها، باختصار في الألفاظ وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن. فصار ذلك مخلاً بالبلاغة وعسيراً على الفهم. وربما عمدوا إلى الكتب الأمهات المطولة في الفنون للتفسير والبيان، فاختصروها تقريباً للحفظ، كما فعله ابن الحاجب في الفقه وأصول الفقه وابن مالك في العربية والخونجي في المنطق وأمثالهم، وهو فساد في التعليم وفيه إخلال بالتحصيل، وذلك لأن فيه تخليطاً على المبتدىء بإلقاء الغايات من العلم عليه، وهو لم يستعد لقبولها بعد، وهو من سوء التعليم كما سيأتي، ثم فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم بتزاحم المعاني عليها وصعوبة استخراج المسائل من بينها، لأن ألفاظ المختصرات نجدها لأجل ذلك صعبة عويصة، فينقطع في فهمها حظ صالح من الوقت ثم بعد ذلك كله فالملكة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات، إذا تم على سداده، ولم تعقبه آفة، فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل من الموضوعات البسيطة المطولة لكثرة ما يقع في تلك من التكرار والإحالة المفيدين لحصول الملكة التامة، وإذا اقتصر على التكرار قصرت الملكة لقلته كشأن هذه الموضوعات المختصرة فقصدوا إلى تسهيل الحفظ على المتعلمين، فأركبوهم صعباً يقطعهم عن تحصيل الملكات النافعة وتمكنها. " ومن يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له " ، والله عز وجل أعلم( ).
تعريف بمتن المختار ومؤلفه وشروحه وطبعاته
متن المختار للفتوى:
تأليف الشيخ مجد الدين أبي الفضل عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي المتوفي سنة (683هـ) رحمه الله تعالى.
ألفه في عنفوان شبابه، ثم صنف شرحاً له وسماه: " الاختيار " كما ذكر ذلك في مقدمة شرحه.
طبعاته:
قال في الجواهر المضيئة:" ومن تصانيفه المختار للفتوى ، وكتاب الاختيار لتعليل المختار "، وقال اللكنوي في الفوائد البهية:" وقد طالعت المختار والاختيار، وهما كتابان معتبران عند الفقهاء".
طبعاته:
1 ـ نشرته مكتبة الجامعة الأزهرية في القاهرة سنة (1372هـ) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله تعالى.
2 ـ في مطبعة محمد علي صبيح سنة (1380هـ) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله تعالى.
3 ـ نشرة دار الكتب العلمية في بيروت خمسة أجزاء في مجلدين.
4 ـ نشرة دار المعرفة في بيروت سنة (1395هـ) خمسة أجزاءت في مجلدين.
5 ـ نشرة دار البشائر في دمشق في ثلاث مجلدات وهي صورة لطبعة الحلبي الأولى سنة (1996م).
6 ـ كما طبع هذا المتن مع شرحه الاختيار في مطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر سنة (1355هـ) وعليه تعليقات للشيخ محمود أبو دقيقة المتوفي سنة (1359هـ) رحمه الله تعالى ، كما طبع ثانيةً في المطبعة المذكورة سنة (1370هـ) وجعل في خمسة أجزاء ، وقرر على طلاب المرحلة الثانوية في الجامعة الأزهرية في كل سنة جزء.
شروحه:
شرحه مؤلفه بشرح سماه:" الاختيار لتعليل المختار " وقد طبع هذا الشرح عدة مرات منها:_
1 ـ في مطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر سنة (1355هـ) وسنة (1370هـ) وعليه تعليقات للشيخ محمود أبو دقيقة رحمه الله تعالى، وجعل في خمسة أجزاء، وقرر على طلاب المرحلة الثانوية في الجامعة الأزهرية في كل سنة جزء.
2 ـ في بيروت، نشر دار المعرفة سنة (1419هـ) خمسة أجزاء في مجلدين بتخريج وتعليق الشيخ خالد عبد الرحمن العلك.
---------------------------------------------------------------------
المبحث الاول: التأصيل الشرعي
لتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والأعراف والأحوال:
القرآن:
1- قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)( ).
قال الطبري في تأويل هذه الآية: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس بالعرف ، وهو المعروف في كلام العرب ، مصدر في معنى المعروف( ).
فالشاهد في الآية هو أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يكون آمرا بالعرف الذي هو ما تعارف عليه الناس من كل خصلة حسنة ترتضيها العقول السليمة، فما استحسنته الطباع السليمة من غير نكير فإن الشرع الحنيف يقر به، ومن هنا كان العرف أحد الأدلة الشرعية .
السنة:
1-عن عائشة رضي الله عنها: ( قالت هند أم معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل علي جناح أن اخذ من ماله سرا ؟ فقال: ( خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف )
وقد بوب البخاري بابا باسم هذا المعنى فقال: باب: من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن وسنتهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة( ).
قال ابن حجر: قال ابن المنير وغيره: مقصوده بهذه الترجمة إثبات الاعتماد على العرف، وأنه يقضى به على ظواهر الألفاظ، ولو أن رجلا وكل رجلا في بيع سلعة فباعها بغير النقد الذي عرف الناس لم يجز، وكذا لو باع موزونا أو مكيلا بغير الكيل أو الوزن المعتاد، وذكر القاضي الحسين من الشافعية أن الرجوع إلى العرف أحد القواعد الخمس التي يبنى عليها الفقه( ).
قال النووي للحديث فوائد وعددها ثم قال: منها اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي
قال العيني: بالمعروف وهو عادة الناس وهذا يدل على أن العرف عمل جار.
وقال ابن بطال العرف عند الفقهاء أمر معمول به وهو كالشرط اللازم في الشرع ثم ذكر ابن بطال بعض مسائل من الفقه التي يعمل فيها بالعرف منها لو وكل رجل رجلاً على بيع سلعة فباعها بغير النقد الذي هو عرف الناس لم يجز ذلك ولزمه النقد الجاري وكذا لو باع طعاما موزونا أو مكيلاً بغير الوزن أو الكيل المعهود لم يجز ولزم الكيل المعهود المتعارف من ذلك ( ).
2-عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يسلفون في الثمر العام والعامين– أو قال عامين أو ثلاثة، شك إسماعيل – فقال: من سلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم )( ).
فالواو في قوله صلى الله عليه وسلم: (والناس يسلفون ) للحال أي أن ما تعارف الناس عليه ( ).
من خلال الحديثين الشريفين يتبين أن العرف هو مما يرجع إليه في الأمور التي لا تحديد من الشارع لها فتحدد بما تعارف عليه الناس .
الإجماع:
أما الإجماع فقد نقله القرافي على أن الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها إذا دارت، قال الشيخ القرافي: (إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد: خلاف الإجماع وجهالة في الدين)( ).
قواعد :
1. قاعدة: (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان )( ).
2. قاعدة: (الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها)( ).
3. قاعدة: (الأصل أن تزول الأحكام بزوال عللها )( ).
فما ثبت بناء على حال أم عرف معين ثم تغير ذلك الحال والعرف، فلابد من تغير الحكم المبني عليه، كما نصت عليه القواعد المذكورة .
المعقول:
1. لقد نظر فقهاء الحنفية في الأحكام التي كان مبناها على الإجتهاد وأن مستندها قد يتغير، فأنشئوا لها حكما آخر لتغير الزمان، وذلك مثل قولهم في عدم جواز الإجارة على الطاعات في أصل المذهب وتغير الحكم عند المتأخرين لتغير مستنده، قال في متن المختار: ولا تجوز الإجارة على الطاعات كالحج والأذان والإمامة وتعليم القرآن والفقه، وبعض أصحابنا المتأخرين قال: يجوز على التعليم والإمامة في زماننا، وعليه الفتوى( ).
2. يقول القرافي: ليس كل الأحكام يجوز العمل بها، ولا كل الفتاوى الصادرة عن المجتهدين يجوز التقليد فيها، بل في كل مذهب مسائل إذا حقق النظر فيها امتنع تقليد ذلك الإمام فيها كالحكام حرفا بحرف .
ويقول في موضع آخر: إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد: خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد: يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة.
بل ولا يشترط تغير العادة، بل لو خرجنا نحن من ذاك البلد إلى بلد آخر، عوائدهم على خلاف عادة البلد الذي كنا فيه أفتينا بعادة بلدهم، ولم تعتبر عادة البلد الذي كنا فيه، وكذلك إذا قدم علينا احد من بلد عادته مضادة للبلد الذي نحن فيه لم نفته إلا بعادة بلده دون عادة بلدنا( ).
3. يقول الشاطبي: (لما قطعنا بأن الشارع جاء باعتبار المصالح ، لزم القطع بأنه لابد من اعتباره العوائد ؛ لأنه إذا كان التشريع على وزن واحد ، دل على جريان المصالح على ذلك؛ لأن أصل التشريع سبب المصالح ؛ والتشريع دائم كما تقدم، فالمصالح كذلك ، وهو معنى اعتباره للعادات في التشريع.
وكذلك العوائد لو لم تعتبر لأدى إلى تكليف ما لا يطاق، وهو غير جائز أو غير واقع .
وقد مثل الإمام الشاطبي على العوائد التي تتبدل وهي أسباب لأحكام تترتب عليها فقال: ما يكون متبدلا في العادة من حسن إلى قبح، وبالعكس، مثل كشف الرأس فانه يختلف بحسب البقاع في الواقع، فهو لذوي المروءات قبيح في البلاد المشرقية، وغير قبيح في البلاد المغربية، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك، فيكون عند أهل المشرق قادحا في العدالة، وعند أهل المغرب غير قادح( ) .
4. يقول ابن القيم: (ويعد تغير الفتوى بحسب الأمكنة والأحوال والعوائد معنى عظيم النفع ومظهرا من مظاهر التخفيف ورفع الحرج عن الناس، وبسبب الجهل به يقع غلط عظيم على الشريعة يوجب من الحرج والمشقة والتكليف ما لا سبيل إليه، الشيء الذي يتنافى والشريعة التي هي في أعلى رتب المصالح)( ).
5. يقول الإمام ابن عابدين: قال في القنية: ليس للمفتي ولا للقاضي أن يحكما على ظاهر المذهب ويتركا العرف، ثم قال العرف: نوعان خاص وعام، وكلاهما معتبران عند كثير من المشايخ في مقابل ظاهر الرواية إن كان دليلها القياس( والتعامل حجة يترك به القياس ويخص به الأثر) وقد يخال أن هذا الصنيع ابتداع في المذهب لتصريح الفقهاء بأن الرأي إذا كان في كتب ظاهر الرواية ( )، لا يعدل عنه إلا إذا صحح المشايخ غيره، ولكن موضع هذه المقالة إذا لم يقتض العرف غير ظاهر الرواية ، أما إذا اقتضى غيره وجب العدول إليه ؛ لأنه يكون حينئذ هو رأي صاحب المذهب ومقتضى قواعده ، بحيث لو وجد في زمان العرف الحادث وشاهد أحوالا غير الأحوال ، لأفتى بغير ما قال أولا؛ وذلك لان من قواعده مراعاة العرف . ولهذا نقل عن القنية: ليس للمفتي ولا للقاضي أن يحكما على ظاهر المذهب ويتركا العرف( ).
6. وفي رسائل ابن عابدين في جواب سؤال هو إذا خالف العرف ظاهر الرواية: إعلم أن المسائل الفقهية إما أن تكون ثابتة بصريح النص وهي الفصل الأول، وإما أن تكون ثابتة بضرب اجتهادي ورأي، وكثير منها ما يبنيه المجتهد على ما كان في عرف زمانه بحيث لو كان في زمان العرف الحادث لقال بخلاف ما قاله أولا؛ ولهذا قالوا في شروط الاجتهاد أنه لابد فيه من معرفة عادات الناس، فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولا للزم منه المشقة والضرر بالناس ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد لبقاء العالم على أتم نظام وأحسن إحكام، ولهذا نرى مشايخ المذهب خالفوا ما نص عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا به أخذا من قواعد مذهبه( فمن ذلك ) إفتاؤهم بجواز الاستئجار على تعليم القرآن ونحوه لانقطاع عطايا المعلمين التي كانت في الصدر الأول، ولو اشتغل المعلمون بالتعليم بلا أجرة يلزم ضياعهم وضياع عيالهم ولو اشتغلوا بالاكتساب من حرفة وصناعة يلزم ضياع القرآن والدين ، فأفتوا بأخذ الأجرة على التعليم وكذا على الإمامة والأذان كذلك مع أن ذلك مخالف لما اتفق عليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من عدم جواز الاستئجار وأخذ الأجرة عليه كبقية الطاعات من الصوم والصلاة والحج وقرأة القرآن ونحو ذلك( ).
(ومن ذلك) قول الإمامين بعدم الاكتفاء بظاهر العدالة في الشهادة مع مخالفته لما نص عليه أبو حنيفة بناء على ما كان في زمنه من غلبة العدالة ، وقد نص العلماء على أن هذا الاختلاف اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان( ).
(ومن ذلك) تحقق الإكراه من غير السلطان مع مخالفته لقول الإمام بناء على ما كان في زمنه من أن السلطان لا يمكنه الإكراه ، ثم كثر الفساد فصار يتحقق الإكراه من غيره ، فقال محمد رحمه الله باعتباره ، وأفتى به المتأخرون لذلك ..... وهناك مسائل كثيرة يصعب عدها( ).
7. قال ابن عابدين: فان قلت: العرف يتغير ويختلف باختلاف الأزمان، فلو طرأ عرف جديد هل للمفتي في زماننا أن يفتي على وفقه ويخالف المنصوص في كتب المذهب ؟(قلت) إن المتأخرين الذين خالفوا المنصوص في كتب المذهب في المسائل السابقة لم يخالفوه إلا لتغير الزمان والعرف وعلمهم أن صاحب المذهب لو كان في زمنهم لقال بما قالوه ،وفي الحاشية: فللمفتي الآن أن يفتي على عرف أهل زمانه وان خالف فتوى المتقدمين، وقال في مكان أخر: لو أن الرجل حفظ جميع كتب أصحابنا لابد أن يتتلمذ للفتوى حتى يهتدي إليها لان كثيرا من المسائل يجاب عنها على عادات أهل الزمان فيما لا يخالف الشريعة( ).
8. وقد علق ابن نجيم على قول الحنفية: (إن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص) فقال: ولكن أفتى كثير من المشايخ باعتباره؛ فأقول على اعتباره ينبغي أن يفتى، وكذا أقول على اعتبار العرف الخاص، قد تعارف الفقهاء بالقاهرة النزول عن الوظائف بمال يعطى لصاحبها وتعارفوا ذلك فينبغي الجواز( ).
9. قال القاضي حسين من الشافعية: إن الرجوع إلى العرف احد القواعد الخمس التي يبنى عليها الفقه، فمنها الرجوع إلى العرف في معرفة أسباب الأحكام من الصفات الإضافية كصغر ضبة الفضة وكبرها وغالب الكثافة في اللحية ونادرها وكثرة فعل أو كلام وقلته في الصلاة ومهر مثل وكفء نكاح ومؤنة ونفقة وكسوة وسكنى وما يليق بحال الشخص من ذلك، ومنها الرجوع إليه في المقادير كالحيض والطهر وأكثر مدة الحمل وسن اليأس، ومنها الرجوع إليه في فعل غير منضبط يترتب عليه الأحكام كإحياء الموات( )، والإذن في الضيافة ودخول بيت قريب وما يعد قبضا وإيداعا وهدية وغصبا وحفظ وديعة وانتفاعا بعارية، ومنها الرجوع إليه في أمر مخصص كألفاظ الإيمان وفي الوقف والوصية والتفويض ومقادير المكاييل والموازين والنقود وغير ذلك( ).
---------------------------------------------------------------------
المبحث الثاني : فيه مطلبان :
المطلب الأول : المسائل التطبيقية في المعاملات المالية عند الحنفية من خلال متن المختار وفيه سبع مسائل .
المسألة الأولى: استحقاق الأجرة
قال الماتن: (ولرب الدار أن يطالب بأجرة كل يوم، والحمال بأجرة كل مرحلة) ( )، هذا بناء على عرف زمنهم، أما في زمننا فقد تعارف الناس على أن لا يستحق الأجرة إلا إذا انتهى السفر؛ لإن المعقود عليه شيء واحد وهو قطع هذه المسافة وهو قول الإمام أبي حنيفة وزفر.
المسألة الثانية : حدود التغابن
قال الماتن: (والوكيل بالشراء لا يجوز شراؤه إلا بقيمة المثل وزيادة يتغابن فيها، وما لا يتغابن فيه في العروض، في العشرة زيادة نصف درهم، وفي الحيوان درهم، وفي العقار درهمين )( ).
تحديد ما لا يتغابن فيه في العقار بدرهمين مما هو تابع لقيمة العقار في زمانه، أما في زماننا فزيادة الدرهمين ونقصهما اليوم وما هو أكثر من ذلك قد يكون مقبولا عند الموكل لو باع به الوكيل أو اشترى .
المسالة الثالثة: بيع المسيل
ذكر في عدم جواز بيع المسيل فقال: (ويجوز بيع الطريق وهبته، ولا يجوز ذلك في المسيل) وبين ذلك بقوله: لأن الطريق موضع من الأرض معلوم الطول والعرض فيجوز، والمسيل موضع جريان الماء وهو مجهول؛ يقل ويكثر( ).
بني الحكم في جواز البيع وعدم جوازه على أن الطريق معلوم المساحة من الطول والعرض وعلى ذلك جاز بيعه، أما المسيل فهو مجهول؛ لأنه يقل ويكثر وبذلك فهو غير معلوم فلا يجوز بيعه، وحكمه على المسيل بأنه يقل ويكثر بناء على عرفهم آنذاك؛ لان المسايل جوانبها من التراب وبالتالي فان الماء يؤثر عليها بكثرته وسرعته فتتسع ، أما في زماننا هذا فانه في بعض البلاد أصبحت المسايل سواقي من الاسمنت وغيره من المواد التي لا يطرأ عليها التغيير من سعة وغيرها، وبالتالي فان هذه المسايل معلومة الطول والعرض وغير مجهولة المساحة وعلى ذلك فلا مانع من بيعها.
فمنعه بيع المسيل هو ما تعارفوا عليه في زمانهم من المسيل وهو الذي يقل ويكثر؛ ولهذا قال في فتح القدير: أما لو بين حد ما يسيل به الماء فهو جائز( ).
المسالة الرابعة: عيوب المبيع:
ذكر ما يعد عيبا في المبيع فقال: ( والشيب والكفر والجنون عيب فيها )( ).
هذا الحكم مما يتبع عرف البلاد وأحوالها والسوق وأعرافه، فإذا كان في بلاد فيها المسلم وغيره، واعتاد الناس على خدمة غير المسلم فليس بالضرورة اعتبار الكفر عيبا، وكذلك إذا كان في بلاد لها تجارة مع غير المسلمين فان التجار قد يفضلون أن يبعثوا في تجارتهم غير المسلم، وخاصة إذا كان المسلم لا يأمن على نفسه من دخول بلاد غير المسلمين.
أما الشيب فكذلك ليس بالضرورة أن يكون عيبا، وخاصة إذا كان للسيد تجارة تمر على مناطق غير مأمونة فيها من اللصوص الذين يقتلون الشاب الفتى ، بينما العبد العجوز قد لا يعترضه احد.
وكذلك إذا كان للسيد جوار جميلات وهو يخشى عليهن من العبيد إن كانوا شبانا، فقد يرغب بشراء العبد ذي الشيبة ويفضله على الشاب .
المسالة الخامسة: بيع التولية( ): قال: ولا يجوز أن يضم إلى الثمن الأول نفقته وأجرة الراعي والطبيب والمعلم والرايض وجعل الآبق، ثم قال: وأصله أن كل ما تعارف التجار إلحاقه برأس المال يلحق به ، وما لا فلا ، وقد جرت العادة بذلك( ).
فبناء على أصله أن كل ما تعارف التجار إلحاقه برأس المال يلحق به، فعرف زماننا أن التجار يضمون إلى رأس المال أجرة الراعي والطبيب والمعلم والرايض، وكذلك مما هو من الإضافات الحديثة كالجمارك وأجور النقل والتحميل والتفريغ والضرائب الأخرى عند الاستيراد وكذلك أجور العمولة في التحويلات المصرفية .
المسألة السادسة : صبغ الثوب المغصوب
قال الماتن: (ومن غصب ثوباً فصبغه أحمر أو سويقا فلته بسمن فالمالك إن شاء أخذهما ورد زيادة الصبغ والسويق، وإن شاء أخذ قيمة الثوب أبيض )( ).
فالماتن اعتبر صبغ الثوب باللون الأحمر زيادة في الثوب دون الألوان الأخرى بناء على ما هو متعارف عليه في زمنه ، ولهذا في الشرح والألوان كلها سواء، بينما الإمام أبو حنيفة اعتبر اللون الأسود نقصانا، ولهذا صرح الحنفية بأن هذا اختلاف عصر وزمان فقال في الشرح قال أبو حنيفة: السواد نقصان، قيل: هو اختلاف عصر وزمان، وقيل: إن نقصه السواد فهو نقصان .
المسألة السابعة : رؤية المبيع
قال في متن المختار: (ومن اشترى ما لم يره جاز، وله خيار الرؤية؛ ومن باع ما لم يره فلا خيار له، ويسقط برؤية ما يوجب العلم بالمقصود كوجه الآدمي ووجه الدابة وكفلها ورؤية الثوب مطويا)( )، فالمراد بالاكتفاء برؤية ظاهره هو الثوب الذي لا يقصد من شرائه إلا جودة اقماش، أما إذا كان المقصود الزينة ونوع الخياطة فلابد من رؤيتها، وكذلك إذا كان المقصود من شراء الدابة للدر والنسل فلابد من النظر إلى الضرع مع جميع جسدا، فمقاصد الناس في شراء الدواب قد تتغير من زمن لأخر، وقد تكون في أزمنة المقصود هو الزينة أو القوة أو السرعة ، فلابد في كل ذلك ما يتوصل به إلى المقصود، ولهذا قال في الشرح: وأما الثوب فالمراد الثياب التي لا يخالف باطنها ظاهرها، أما إذا اختلفا فلابد من رؤية الباطن، ثم قال: ولابد في شاة اللحم من الجس، وشاة الدر والنسل من النظر إلى الضرع مع جميع جسدها واعتبر هذا في جميع المبيعات .
المطلب الثاني :
مسائل من الاختيار شرح المختار وفيه ست مسائل:
المسألة الأولى: البيع بالأنموذج :
ذكر صاحب الاختيار في شروط المبيع فقال: (ولابد من معرفة المبيع معرفة نافية للجهالة) قطعا للمنازعة .... ثم ذكر أن المبيع إذا كان غائبا وهو مما يعرف بالأنموذج كالكيلي والوزني والعددي المتقارب فرؤية الأنموذج كرؤية الجميع .... وان كان مما لا يعرف بالأنموذج كالثياب والحيوان فيذكر له جميع الأوصاف قطعا للمنازعة ويكون له خيار الرؤية( ).
فتمثيله بالثياب لما لا يعرف بالأنموذج معتمد على ما تعارفوا عليه من الثياب في زمنهم؛ لأن الثياب كانت تنسج باليد فلا يمكن أن تكون متماثلة حتى ولو كانت لنساج واحد.
أما الثياب اليوم فأصبحت من المتماثل؛ فإن مصنعا واحدا ينتج ملايين القطع من الثياب على صفة واحدة لا فرق بين أفراد تلك الثياب.
فهذا المثال معتمد على العرف، وقد تغير العرف، فيكون التمثيل بالثياب لما لا يعرف بالأنموذج غير مسلم في زماننا وان كان مسلما في زمانهم .
المسالة الثانية: الشروط في البيع:
ذكر في جواز بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشرها ..... ثم قال: وعلى البائع تخليصه بالدياس والتذرية، وكذا قطن في فراش وعلى البائع فتقه لان عليه تسليمه، أما جذاذ الثمرة وقطع الرطبة وقلع الجذور والبصل وأمثاله على المشتري؛ لأنه يعمل في ملكه وللعرف( ).
فجذاذ الثمرة وقطع الرطبة وقلع الجذور والبصل من المعاملات التي إذا اشترط البائع على المشتري قطعها بنفسه أي أن المشتري هو الذي يقطع، فلا مانع ؛لأن المؤمنين عند شروطهم، أما ما ذهبوا إليه من اشتراط القطع على البائع، فأعلوه بعلتين:
الأولى: انه في ملكه، وهذا غير لازم فمن حق المالك أن يأذن لغيره بالعمل في ملكه.
الثانية: العرف: وهم اعتمدوا في ذلك على عرف زمانهم، فعند تغير العرف أصبح من عرف التجار أن القلع والجذاذ والقطع يكون على المشتري فلا مانع من ذلك، فاشتراطهم القطع والجذاذ على البائع أمر تابع للعرف وقد يتغير فيكون في زمن آخر على المشتري ولا مانع .
المسألة الثالثة: بيع ما هو منتفع به:
منع الحنفية بيع الحية والعقرب والضب والقنفذ ونحوها وعللوا ذلك بقولهم : إنه لا ينتفع بها( ).
قولهم هذا بناء على عرفهم آنذاك بان الناس لا ينتفعون من هذه المذكورات. فتغير الزمان وأصبحت هذه المذكورات مما ينتفع بها كما في بعض البلدان، فيخرج على أصولهم القاضية بجواز بيع ما يعد مالا، والمال عندهم هو ما يحقق نفعا للإنسان، ولهذا قالوا في تعليل جواز بيع الكلب والفهد والسباع إنها جميعا منتفع بها .
فيخرج على أصولهم جواز بيع المذكورات كالحية والعقرب والضب والقنفذ في البلاد التي ينتفعون منها فتعارفوا بيعها.
المسألة الرابعة: السوم ( ):
قال : وكذا السوم على سوم أخيه – أي يكره – قال عليه الصلاة والسلام ( لا يستام الرجل على سوم أخيه )( ).
وهو أن يرضى المتعاقدان بالبيع ويستقر الثمن بينهما ولم يبق إلا العقد فيزيد عليه ويبطل بيعه ، أما لو زاد عليه قبل التراضي فيجوز وهو المعتاد بين الناس في جميع البلدان والأمصار( ).
أما في عرف أسواقنا إذا كان الشخص في حالة مساومة مع البائع فلا يجوز لثالث أن يدخل طرفا في البيع وان لم يستقر الثمن ويتراضيا ما دام الحديث يدور بينهما حول البيع.
المسالة الخامسة: السلم( ) في الخبز:
ذهب الإمام أبو حنيفة إلى عدم جواز السلم في الخبز؛ وذلك لتفاوته تفاوتا فاحشا بالثخانة والرقة والنضج، وكذلك لا يجوز عنده استقراضه؛ لتفاوته عددا من حيث الخفة والثقل، ووزنا من حيث الصنعة( ).
والعلة عند الإمام أبي حنيفة هو تعذر معرفة التساوي، فيكون مجهولا فيؤدي إلى المنازعة؛ لأنه غير منضبط؛ لأن القاعدة عند الإمام أبي حنيفة أن كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه، فبناء على هذه القاعدة وتخريجا على أصله: أن الخبز في زماننا يمكن معرفة مقداره وضبط صفته بوجود التقنيات الحديثة من مصانع وافران، والتي تنتج ملايين القطع من الخبز بوزن واحد وصفة واحدة من اليبوسة والرطوبة، وعلى ذلك يقال بجواز السلم في مثل هذا الذي أمكن ضبطه ووزنه وصفته .
وإن كان الإمام محمد قال بجواز ذلك لكن بناء على تعامل الناس وحاجتهم إليه، وكذلك الإمام أبو يوسف إلا انه جوز الاستقراض وزنا لا عددا( ).
المسالة السادسة: الاستصناع( ):
قال إنما يجوز فيما جرت به العادة من اواني الصفر والنحاس والزجاج والعيدان والخفاف والقلانس والأوعية من الادم والمناطق وجميع الأسلحة، ولا يجوز فيما لا تعامل فيه كالجباب ونسج الثياب؛ لان المجوز له هو التعامل على ما مر فيقتصر عليه( ).
لم يجز الاستصناع في الجباب ونسج الثياب لعدم التعامل فيه في زمنهم، أما في زماننا فقد تعارف الناس على الاستصناع في الجباب ونسج الثياب، فان التاجر يطلب من المصانع آلاف الأطوال من الثياب على صفة معلومة فتصنع له على المواصفات المطلوبة، والعمل جار على ذلك من غير حدوث منازعات بين التجار على ذلك، فينبغي أن يقال بالجواز في مثل هذا النوع من الاستصناع؛ لان المجوز عندهم هو التعامل وقد وجد، وكذلك يضاف إليه ما هو عند الحنفية من العوامل التي تدل على الجواز وهو عدم حدوث المنازعة .
---------------------------------------------------------------------------
الخاتمة:
1. بعد بيان الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين والتي تدل على أن الأحكام الشرعية التي مدركها العوائد والأعراف تتغير بتغير تلك الأحوال والأعراف ، إلا أن ما يتكلم فيه من تغير الفتوى كأنه قد اقتصر على التغيرات التي قال بها الإمام أبو يوسف ومحمد وزفر رحمهم الله تعالى وما حدث في تلك الأزمنة وما تلاها من تغيرات كما حدث لعلماء بخارى وسمرقند وكذلك ما خالف به أبو زيد القيرواني للإمام مالك أو البيهقي للشافعي أو ابن عقيل وابن القيم للإمام احمد ، ولا يكون الكلام النظر في تغير الفتوى في هذه الأزمنة في إطار التطورات الحديثة والمتسارعة التي هي الأولى بالنظر ، فإذا كان الإمام أبو يوسف ومحمد يخالفان الإمام أبا حنيفة في ثلثي المذهب في ظرف لا يتجاوز الأربعين سنة فما بال الأمة وهي تعيش واقعا يبعد عن واقع أئمتها بألف ومائتي سنة وبهذا التقدم الهائل في الوسائل والأساليب، أليس هذا يدعو إلى مراجعة شاملة لكل ما لهذا التغير من تأثير عليه ولا تقتصر مواضيع تغير الفتوى على الأمثلة التي وردت عن الإمام أبي يوسف ومحمد وأمثالهم .
2. هذا التغير ليس معناه التهوين من مقام أئمتنا ، ولا هو تشكيك في تاريخنا ، بل فيه دلالة على انضباط ما وضعوه من قواعد على ضوئها كان هذا التغير.
3. هذه الدراسة وأمثالها هي خطوة على الطريق لإعادة متون الفقه الإسلامي إلى الساحة العملية، وعدم إبقائه محجورا داخل المساجد وعلى رفوف المكتبات.
4. اشتملت الدراسة على اختيار مسائل معينة من متن المختار في الفقه الحنفي مبناها على أعراف وأحوال تغيرت فأشرت إليها وبينت أن أحكامها ينبغي إن تتغير تبعا لتغير أعرافها وأحوالها، وبينت الأحكام الجديدة التي ينبغي أن يفتى بها، وكان عدد هذه المسائل تسعا، وسبب اقتصاري على هذا العدد أني محكوم بعدد معين من الصفحات المشروطة في البحوث المقدمة للمؤتمرات .
التوصيات
بعد هذه الدراسة المتواضعة أود أن أدلو ببعض الوصايا التي يحتاجها الذين يشتغلون في حقل العلوم الشرعية، وهي :
1. إضافة تعليقات على كثير من كتب المتون الفقهية تشير إلى الأحكام التي كان مصدر الإفتاء فيها الأحوال والأعراف ، وإذا تغيرت تلك الأعراف والأحوال ينبه إلى أن الحكم يتغير بتغيرها، خاصة الكتب التي تدرس لطلاب العلم؛ حتى لا يصطدم الطالب بفتاوى غير ملائمة لها ظروفها وملابساتها ، فيقع في نفسه ما يقع مما يؤدي إلى تهوين الشرع في نفسه .
2. إن يفرق طلبة العلم بين الأحكام التي مبناها الأحوال والعوائد وبين ما هو ثابت لا أثر للزمن فيه ، فيوسعوا أذهانهم لقبول التغير في الأول وهو الطريق للثبات على الثاني؛ لأن هذا المنهج هو الكفيل بان يجعل هيبة لشرع الله في نفوس أتباعه فيكونوا أكثر تمسكا به .
--------------------------------------------------------------------------
ثبت المراجع
1. أعلام الموقعين عن رب العالمين، تأليف العلامة الإمام شيخ الإسلام شمس الدين أبي محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، المتوفى سنة 751هـ، اعتنى به أحمد عبد السلام الزعبي، ط1، 1418هـ_1997م، شركة دار الأرقم ابن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان.
2. الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، تأليف الإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي المصري المالكي، المتوفى 684هـ، اعتنى به عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت لبنان، ط2، 1416هـ_1995م.
3. الاختيار لتعليل المختار، تأليف العلامة عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي تحقيق علي عبد الحميد أبي الخير ومحمد وهبي سليمان، ط1 ، دار الخير، 1419ه-1998م، وطبعة دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع تحقيق بشار بكري عربي ، دمشق.
4. الأشباه والنظائر، تأليف العلامة زين الدين بن إبراهيم المعروف بابن نجيم الحنفي المتوفى سنة 970هـ، ط1، 1403هـ_1983م، دار الفكر بدمشق.
5. التعريفات للجرجاني، دار الكتاب العربي، بيروت ط1، ص198 .
6. التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، تأليف: فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1421هـ - 2000م، الطبعة: الأولى
7. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، تأليف: إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي، دار النشر: دار الكتب العلمية – بيروت.
8. الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، أو الفراسة المرضية في أحكام السياسة الشرعية ، للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، المتوفى سنة 751هـ ، خرج أحاديثه الشيخ زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ_1995م، بيروت لبنان.
9. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تأليف: أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي، دار النشر: دار الكتب العلمية - لبنان - 1413هـ- 1993م، الطبعة: الاولى، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد.
10. تاج العروس من جواهر القاموس باب اللام فصل الدال، لمحمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني الملقب بمرتضى الزبيدي، دار إحياء التراث العربي النهاية لابن الأثير.
11. تفسير البيضاوي، تأليف: البيضاوي، دار النشر: دار الفكر – بيروت.
12. تفسير القرآن العظيم، تأليف: إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1401 .
13. تفسير النسفي، تأليف الإمام الجليل العلامة أبي البركات عبد الله ابن أحمد بن محمود النسفى .
14. جامع البيان عن تأويل آي القران، تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310 هـ، دار الفكر.
15. حاشية رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار فقه أبو حنيفة، تأليف: ابن عابدين. ، دار النشر: دار الفكر للطباعة والنشر– بيروت-1421هـ - 2000م.
16. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تأليف: العلامة أبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.
17. شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، للإمام سيدي محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، المتوفى سنة 1122ه، دار إحياء التراث العربي ـ1417هـ_1997م،بيروت لبنان .
18. شرح المجلة، للمرحوم سليم رستم باز اللبناني، طبع بإجازة نظارة الجليلة في الأستانة العلية، 1406هـ_1986م.
19. صحيح البخاري بهامش فتح الباري،ط1 ،دار الكتب العلمية، بيروت لبنان ،1410هـ_1989م.
20. صحيح مسلم بشرح النووي، تأليف: أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1392، الطبعة: الطبعة الثانية.
21. طبقات الحفاظ، تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي أبو الفضل، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1403، الطبعة: الأولى.
22. طبقات المفسرين، تأليف: أحمد بن محمد الأدنهوي، دار النشر: مكتبة العلوم والحكم - السعودية - 1417هـ- 1997م، الطبعة: الأولى، تحقيق: سليمان بن صالح الخزي.
23. عمدة القاري شرح صحيح البخاري المسمى بالعيني على البخاري، للشيخ الإمام العلامة بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني المتوفى سنة 855هـ، دار الفكر.
24. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، تأليف: محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار النشر: دار الفكر – بيروت.
25. فتح القدير ،تأليف الشيخ كمال الدين محمد بن عبد الواحد ،دار إحياء التراث العربي ،1340هـ، بيروت لبنان.
26. قواعد الأحكام في مصالح الأنام ،تأليف شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام، المتوفى سنة 660هـ،تحقيق الدكتور نزيه كمال حماد و الدكتور عثمان جمعة ضميرية، دار القلم دمشق، ط1 1421هـ _2000م
27. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، تأليف: مصطفى بن عبدالله القسطنطيني الرومي الحنفي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1413 – 1992.
28. لسان العرب ، للإمام العلامة ابن منظور المتوفى سنة 711هـ، اعتنى بتصحيحها أمين محمد عبد الوهاب ومحمد صادق العبيدي ، ط1 ،1416 هـ-1995 م ، دار إحياء التراث العرب
مواضيع مماثلة
» مؤتمر تحقيق العبادة
» ليس كل ما يقوله النبي صلى الله عليه و سلم فتوى-داود صالح
» كيفية ارسال الفتوى
» موجبات تغير الفتوى العشرة - القرضاوي
» ضرورة اختلاف الفتوى لمن هم بالفعل عمن فعل - القرضاوي
» ليس كل ما يقوله النبي صلى الله عليه و سلم فتوى-داود صالح
» كيفية ارسال الفتوى
» موجبات تغير الفتوى العشرة - القرضاوي
» ضرورة اختلاف الفتوى لمن هم بالفعل عمن فعل - القرضاوي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى